بعد فوز فرنسا.. المغرب في المونديال: إنجاز تاريخي لم يغير التاريخ
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
- مارينا ميلاد:
- صور المونديال: نادر نبيل
في ضاحية كوربي إيسون جنوب باريس - سبتمبر ١٩٧٥، ولد ابن يدعى "وليد" لأسرة هاجرت من المغرب إلى بلد الأحلام "فرنسا" بحثًا عن حياة أفضل. قصة عائلة "الركراكي" تبدو مكررة، حيث يفعلها آلاف العرب، خاصة القادمين من دول تتحدث الفرنسية. لكن "وليد" سيجعل لعائلته في تلك الضاحية وفرنسا بل والعالم بأكمله قصة أخرى مثيرة وفريدة.
اليوم، وقف "وليد" - وقد بلغ الـ47 عامًا – على أرض ملعب البيت في قطر. قاد منتخب بلد عائلته "المغرب" في مواجهة بلد مولده ونشأته ولعبه لكرة القدم "فرنسا" خلال مباراة نصف نهائي كأس العالم.
لحظة لم تخطر على بالـ"الركراكي" الذي يحمل الجنسيتين، مثلما لم تخطر على بال أدهى المحللين. لم تلحق المغرب كالمعتاد ببقية الفرق العربية. غادروا وبقيت هي في مونديال استثنائي بجدارة، بل وتخطت قامات فرق كبيرة حتى أصبحت أول فريق أفريقي وعربي يصل إلى دور نصف النهائي لتلقى صاحبة اللقب لمرتين والتي يربطها بها الكثير.
في هذه المباراة، كان "الركراكي" على موعد مختلف مع المهاجم في المنتخب الفرنسي أوليفييه جيرو، الذي شاركه التدريبات يومًا في نادي غرونوبل الفرنسي. لكن "جيرو" بات خصمًا له اليوم على أرض الملعب، بل وخصمًا خطيرًا يتنافس على لقب هداف المونديال.
قبل أن يصل "الركراكي" إلى نادي غرونوبل ويلتقى "جيرو". بدأ ركل الكرة منذ طفولته في منطقة "مونكونساي" مع أصدقائه وجيرانه. تواجه -غالبًا- مع الفريق الغريم في منطقة "تارتوريه". يحكي ديمبا دياغوراغا (المدير الحالي لمركز حي تارتوريه) لوكالة الآنباء الفرنسية عن هذه الفترة، قائلا: "كنا نخوض مباريات كأننا ميلان وبرشلونة.. عرفته مقاتلًا وجادًا".
في تلك السن المبكرة، كان "الركراكي" مشجعًا لنادي ميلان الإيطالي ونجم هولندا ماركو فان باستن، حامل الكرة الذهبية ثلاث مرات.
لم يكن "الركراكي" يتخيل أن نجمه المفضل، هو نفس الرجل الذي سيصف لاعبي منتخبه بـ"الأغبياء"!
إذ قال فان باستن في مايو 2016 حين كان مساعدًا للمدير الفني الهولندي، "إنهم أولاد أغبياء. كان ينبغي عليهم التحلي بالصبر.. كيف يمكنك أن تكون غبيًا بما يكفي لاختيار المغرب عندما تكون مؤهلاً للانضمام إلى المنتخب الهولندي؟".
المقصود بكلمات "باستن" هو اللاعب حكيم زياش، المولود في هولندا والذي سطع نجمه هناك، لكنه اختار تمثيل بلد والديه "المغرب".
"زياش" يشبه مدربه "الركراكي" و13 لاعبًا آخرين في المنتخب. ولدوا جميعهم خارج المغرب وحملوا جنسيات أخرى كالأسبانية، الكندية، والهولندية. إضافة إلى الفرنسية التي يحملها اللاعب رومان سايس.
تسلل شعور هؤلاء تجاه بلدهم من خلف الشاشات إلى المقاهي والمنازل، فوصل إلى كريمة حليم، المسؤولة عن رابطة الجالية المغربية في مصر. فتقول: "عندما أشاهد المباريات، لا أستمتع بالأداء فقط، إنما بروح الفريق وأشعر بمدى تمسكهم بأصلهم".
يشترك مع "كريمة" في الحديث نفسه الكثير من المغاربة، الذين يتجمعون في أحد المقاهي بمحافظة الجيزة. يعبرون عن إعجابهم بمشاهد اللاعبين مع والديهم عقب الفوز، بتدينهم، وبأداء المدرب وليد الركراكي، حيث ترى "كريمة" إن "اختيار مدرب مغربي لمهمة المونديال جعله أكثر انتماء وقربًا من مدرب الأجنبي".
قبل شهرين فقط من المونديال، جاء "الركراكي" إلى المنتخب خلفًا للبوسني خليلوزيتش.
وأمام جمع من الصحفيين والمسؤولين باتحاد كرة القدم المغربي؛ أطلق الرجل وعدًا بأن يفعل كل شيء ويقاتل ليرفع راية المغرب في كأس العالم".
السيرة الذاتية لـ"الركراكي" تحمل أغلبها أسماء أندية فرنسية، حيث بدأها من "راسينج باريس" في موسم (1998 - 1999)، ثم برز مع "تولوز" (1999-2001) و"أجاكسيو" (2001-2004)، "ديجون" و"غرونوبل" (2007-2009). كما ذهب لوقت مع "راسينغ سانتاندر" الإسباني.
ثم جدد نفسه ومهاراته مع بلده "المغرب" من خلال عمله كمساعد في تدريب المنتخب لفترة، وتدريبه لنوادي "اتحاد الفتح الرباطي" و"الوداد" المغربي، حيث كان له مع الأخير تجربة توج فيها بلقب دوري أبطال إفريقيا والدوري المغربي، فخرج منها متعطشًا لفعل ما هو أكبر.
صورة "الركراكي" في عالم كرة القدم تتشكل ملامحها من أنه رجل جاد، ذو شخصية قوية، يعرف جيدًا كيف يوظف لاعبيه ويحفزهم.
المسؤولية كبيرة والوقت ضيق استعدادًا لمونديال تحلم المغرب أن تعبر فيه دور المجموعات. كان "الركراكي" واقعيًا بما يكفي ليقول أثناء التحضير: "لديّ مشروع على المدى القصير. لا يمكن أن أغير فيه قاعدة الفريق الموجودة، لكن ستكون لي لمسة أو لمستين. ونحن جميعًا متفقون على أننا لا نريد الذهاب إلى كأس العالم لنخوض ثلاث مباريات فقط".
وعلى أرض الملاعب المختلفة في قطر، ظهر ما تحدث عنه"الركراكي". ولم تبدُ المغرب بمونديال هذا العام كالمغرب في النسخ السابقة. فتخطت الكِبار: كرواتيا، بلجيكا، كندا، أسبانيا، والبرتغال. ولم يخترق شباك حارسها ياسين بونو سوى هدف واحد في مباراة كندا، الذي كان نتيجة نيران صديقة.
وبخلاف تكتيك وخطة "الركراكي"، فالاتحاد المغربي لكرة القدم كان أحد أبطال ذلك المشهد، حيث دعم المنتخب بقوة ماديًا ومعنويًا، بجانب تجهيزات أكاديمية محمد السادس، التي تخرج منها ثلاثة لاعبين من المنتخب. لذا يقول فيرون موسينغو أومبا (الأمين العام للكنفدرالية الأفريقية لكرة القدم)، "لابد توفير المزيد من الاستثمارات والموارد في الدول الأخرى لتحذو حذو المغرب".
بينما تمضي المغرب في طريقها، انتشرت مقاطع فيديو ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فرنسيين يشجعون المغاربة في دلالة واضحة على الروابط بينهما.
ما حققه المغرب في هذا المونديال. جَعل الأعلام المغربية والعربية ترفرف في الأفق باستادات قطرـ يلتف "الركراكي" دومًا ليرى ذلك: "هذا يمنحنا قوة إضافية، ولا نشعر بأننا نلعب خارج بلادنا".
امتد سيل التشجيع إلى مختلف الأنحاء. تدفق المغاربة إلى شوارع الدار البيضاء والرباط ومراكش وعمت أمواجا من البهجة على جاليات مغربية وعربية في عواصم أوروبية ومنها فرنسا نفسها. وفي مصر، لمعت أعين الكثيرين كهؤلاء الذين يتجمعون مع كريمة حليم (مسؤولة رابطة الجالية المغربية)، فكما تقول، كانت الأعداد في أول مباراة بالمونديال ما بين 50 – 60 فرد، ووصلوا إلى 200 – 300 فرد، بينهم مصريون.
بات مشجعو المغرب يرفعون من سقف أحلامهم التي بدأ بها المونديال. ومعهم "الركراكي" نفسه، الذي لم يتمالك نفسه بعد الفوز على البرتغال وبكى، ثم قال بعدها: "أعتقد أنها المرة الأولى التي بكيت فيها بعد مباراة في كرة القدم. فأنا المدرب. لكن في بعض الأحيان لا تستطيع أن تحتمل. عندما تتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم، عواطفك تغلبك. سأكون كاذبا لو قلت لك أنني توقعت ذلك".
وصل "الركراكي" بـ"أسود الأطلس" الواقعين في المركز الـ22 (حسب تصنيف الفيفا) إلى مباراتهم مع "الديوك" أصحاب المركز الرابع، والذي ينتمي أغلبهم لأصول إفريقية. لقاء نبش في الماضي والتاريخ. عاد للأذهان وقت استعمار فرنسا للمغرب (عام 1912 حتى 1956) قبل أن تترك إرثها ويتبدل الدور من مستعمرًا إلى شريكًا إقتصاديًا وسياسيًا.
ورغم مرور كل هذا الزمن، لم تتغير الصورة في ذهن "كريمة" التي تمنت اللقاء أن يكون "انتقامًا رياضيًا"، انتقام لا دماء فيه ولا صراع، بل مراوغة وذكاء وسرعة.
"كريمة"، التي تعمل مدرسة لغة فرنسية في مصر. تقول إن اللغة بها كلمات كثير مغربية. وبحكم، دراستها لعامين في جامعة السربون بفرنسا وأن جزءًا من عائلتها هناك مثل مئات الآلاف من المغاربة. فهي تدرك أن الجيل الحالي لم يعد متأثرا بالثقافة الفرنسية مثل الكِبار، وأنهم يحافظون على العادات المغربية كتناول الكسكسي بعد صلاة الجمعة، وتقاليد الزفاف كزي العروس مثلا.
كانت عائلة "الركراكي" من العائلات التي تتحدث عنها "كريمة"، وخلقوا ذلك الإحساس داخله. لذا يقول الرجل، الذي لعب 45 مباراة مع منتخب بلده: "نعم أحمل الجنسية الفرنسية وفخور بمواجهة فرنسا، لكني هنا مدرب للمنتخب المغربي ولا يهمني المنافس الذي أواجهه، ألعب من أجل الفوز فقط". أما ديدييه ديشامب (مدرب فرنسا)، ففضل الابتعاد عن السياسة لكنه أقر بالرمزية المحيطة بالمباراة هذه المرة.
وبعد لحظات زهو وقفز ورقص متتالية عاشتها المغرب في أيام المونديال. اعترضت فرنسا طريق المغاربة مجددًا. خرج "الركراكي" ومنتخبه من المنافسة النهائية، لكنه خروج الكِبار. فكتبت المغرب فصلا جديدًا في تاريخها الرياضي، ستُغزل له الكثير من الحكايات.
فتقول كريمة حليم: "هذا المونديال جعلنا نؤمن بأنفسنا أكثر وأننا لا ينقصنا شيئًا. وأعطى صورة إيجابية عن المغرب أمام العالم". ولازال حِلم وليد الركراكي الذي أعلن عنه باقيًا: "سنواصل كتابة التاريخ لإفريقيا" حتى وإن انقطع مؤقتًا.
فيديو قد يعجبك:
الإحصائيات
-
المباريات64
-
169
-
الهداف
-
صانع الأهداف