تقرير.. "العبقرية" سر النجاح الأوليمبي.. متى يركز المصريون على نقاط قوتهم؟
مشاركة مصر في الأولمبياد
كتب: أحمد فاروق
بعد صبر امتد لأحد عشر يومًا، لم يعرف خلالهم المصريون طعم الفرحة في أوليمبياد باريس 2024 سوى بميدالية برونزية وحيدة، حققها البطل محمد السيد في منافسات الفردي بلعبة المبارزة "سلاح الإيبيه" تكررت الأسئلة المعتادة، لماذا أصبح انتظار التتويج الأوليمبي المصري أشبه بانتظار المجهول؟ وماذا ينقص الرياضة المصرية لتفرض سيطرتها أو على الأقل تصبح من القوى العظمى في رياضة واحدة على الأقل؟
بالعودة إلى القرن الماضي، حقق المصريون 18 ميدالية أوليمبية كان آخرها في لوس أنجلوس 1984، المذهل أن ما يقرب من 90% منها كانت في رياضات القوة البدنية، التي يتميز بها المصريون بالفطرة، حيث جاء نصفها في رفع الأثقال، وتحققت خمسة في المصارعة، إلى جانب ميداليتين في الملاكمة والجودو.
بعد غياب امتد لعشرين عامًا "بين لوس أنجلوس 1984 وأثينا 2004" لم تذق مصر خلالهم طعم الميداليات الأوليمبية، عاد العلم المصري للظهور مجددًا في المحفل الرياضي الأبرز عالميًا، فحققت مصر عشرين ميدالية في القرن الحالي قبل منافسات باريس، وتكرر السيناريو ذاته، فتحققت خمس ميداليات في رفع الأثقال، وثلاثة في المصارعة، ومثلها في الملاكمة، وميدالية في الجودو.
أربعة عشر ميدالية متنوعة حققها المصريون في رفع الأثقال بالألعاب الأوليمبية، لم تكن كافية لتنال اللعبة المزيد من الاهتمام، ولتصبح كنزًا أوليمبيًا للمصريين، يساعد في تقدم العلم المصري في جدول ترتيب الألعاب الأوليمبية، والأمر ذاته ينطبق على المصارعة، التي حقق بها المصريون ثماني ميداليات تاريخيًا.
قبل شهرين تقريبًا من موعد انطلاق منافسات دورة الألعاب الأوليمبية "باريس 2024" أصدرت وزارة الشباب والرياضة المصرية واللجنة الأوليمبية المصرية بيانًا مشتركًا كشف تلقي الاتحادات الرياضية دعمًا بلغت قيمته ما يزيد عن 1.1 مليار جنيه خلال ثلاث سنوات، أي بالتحديد بين بطولتي الألعاب الأوليمبية طوكيو 2020 التي تأخرت لمدة عام بسبب جائحة كورونا، وباريس 2024.
الأرقام الصادرة في البيان أثارت دهشة الكثيرين من متابعي الرياضة المصرية، حيث حصل اتحاد رفع الأثقال على 68 مليون جنيه، بينها 29 مليون جنيه ميزانية الإعداد للألعاب الأوليمبية، وتلقى اتحاد المصارعة 57 مليون جنيه، بينها 28.7 مليون جنيه للإعداد لباريس، وفي المقابل حصلت اتحادات أخرى على أرقام تفوق بوضوح تلك الأرقام، وعلى صعيد الاستعدادات للألعاب الأوليمبية حصلت اتحادات عديدة على أرقام تقترب كثيرًا مما ذهب لرفع الأثقال والمصارعة.
منح المزيد من الاهتمام للرياضات التي تتفوق بها بعض الشعوب، وتتمتع بتميز "فطري" بها ليس بدعة أو شيئًا غير مألوف، فالعديد من دول العالم احتلت مكانة مميزة في جدول ترتيب دورة الألعاب الأوليمبية "باريس 2024" بفضل التميز في مجال واحد، صب المسؤولون عن الرياضة في تلك الدول اهتمامهم عليها، وأدركوا أنها أهم نقاط قوتهم، وأبرز مصادر تشريفهم على المستوى العالمي.
أستراليا تحتل المركز الثالث في جدول ترتيب الألعاب الأوليمبية بعد 11 يومًا من عمر البطولة، برصيد 35 ميدالية متنوعة، بينها 14 ذهبية، لكن الفضل كل الفضل في تلك المكانة يعود للسباحة، التي فرض الأستراليون كلمتهم خلالها، وناطحوا عمالقة العالم، وحصلوا على 18 ميدالية متنوعة بينها 7 ذهبيات.
بالذهاب إلى كوريا الجنوبية التي احتلت المركز السادس بعد نفس العدد من الأيام، قد يصيبك الذهول من تحقيق نصف عدد ميدالياتها البالغة 26 في رياضات الدقة والتركيز وحدها، بواقع سبع ميداليات بينها خمس ذهبيات "في جميع التخصصات دون استثناء" بالقوس والسهم، وست ميداليات بينها ثلاث ذهبيات في الرماية.
بدورها، استفادت هولندا بشكل مثالي من تميزها في التجديف، فحصدت ثماني ميداليات بينها أربع ذهبيات، من أصل 19 ميدالية حققتها بعد مرور 11 يومًا، وفعلت ألمانيا الشىء ذاته بإبداع فرسانها، الذين حققوا خمس ميداليات بينها أربع ذهبيات في الفروسية، من أصل ثماني ذهبيات جمعتها الدولة الأوروبية حتى تلك المرحلة من عمر أوليمبياد باريس.
أما رومانيا التي جمعت سبع ميداليات حتى الآن، حققت خمس منها في التجديف فقط، ولم تبتعد الميداليتان المتبقيتان عن ذلك التخصص، حيث حققتهما في السباحة، لتجمع 100% من ميدالياتها الأوليمبية في باريس بالرياضات المائية فقط، وهو الأمر ذاته الذي كررته أيرلندا، التي حققت ست ميداليات جميعها في الرياضات المائية "الجمباز الإيقاعي، التجديف والسباحة"
الأمر لا يتوقف على الحاضر فقط، بالعديد من الدول صنعت مجدًا أوليمبيًا تاريخيًا عبر رياضات بعينها، وأبرزها كوبا التي جمعت 78 ميدالية في الملاكمة وحدا، وهو ما يقرب من ثلث عدد ميدالياتها، حيث أدرك الكوبيون الفرص التي فوتها المصريون، بالتفريط في قدراتهم الواضحة في لعبة مثل رفع الأثقال.
تشارك مصر بخمسة رباعين في منافسات رفع الأثقال بالألعاب الأوليمبية الحالية، إلا أن الآمال تنعقد بشكل أساسي على لاعبة واحدة هي سارة سمير، التي تنافس في وزن "81 كجم" والمتوجة سابقًا بالميدالية البرونزية في ريو دي جانيرو 2016، وبدرجة أقل كريم أبو كحلة الذي تتلخص الآمال في محاولة خطفه ميدالية "برونزية" على أفضل تقدير، بينما تتلخص الآمال في تحقيق نعمة سعيد "71 كجم"، حليمة عبد العظيمة "الوزن المفتوح" وعبد الرحمن محمد "الوزن المفتوح" مراكز جيدة لا أكثر.
التركيز على نقاط القوة المصرية هو الأمل الحقيقي لزيادة غلة الميداليات الأوليمبية في المستقبل، وهذا لا يعني تجاهل بقية الرياضات، فالمصريون نجحوا في تحقيق نتائج مميزة وميداليات أوليمبية في لعبات مختلفة، لكن "العبقرية" تكمن في استثمار نقاط القوة، كما فعلت العديد من الدول التي عززت مكانتها الرياضية على مدار سنوات طويلة.
اقرأ أيضًا..
جميع أخبار أولمبياد باريس اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: