الثلاثاء 30 يوليو 2024
10:25 م
"هل أنت نادم على رفض تدريب المنتخب الأوليمبي؟" كان هذا سؤالي لأحد المدربين المصريين المعروفين، والذي رفض عرضًا رسميًا لتولي القيادة الفنية للمنتخب الأوليمبي المصري قبل أقل من عامين، ورفض العرض متعللا بـ "باستحالة" تحقيق تلك المجموعة لأي إنجاز، ليرد على سؤالي دون تفكير "نعم، نادم وبشدة، لكنني لم أتخيل أن يحققوا كل ذلك!"
لم يكن ذلك المدير الفني وحده هو من رفض تدريب المنتخب الأوليمبي المصري، حيث قوبلت المهمة بالرفض من أكثر من مدير فني مصري، في ظل تواضع المستويات الفنية لأبرز عناصر جيل "مواليد 2001" المكون الرئيسي للمنتخب الأوليمبي الحالي، حتى أن أحدهم قال نصًا "كيف أدرب منتخب بدون حارس مرمى؟" ملمحًا إلى عدم وجود حارس مرمى واحد مميز في هذا الجيل.
اتجه الاتحاد المصري لكرة القدم، وبالتحديد محمد بركات المشرف على المنتخب الأوليمبي للخيارات الأجنبية، ونجح في إقناع البرازيلي روجيريو ميكالي صاحب التجربة التاريخية مع منتخب بلاده الأوليمبي بقبول المهمة، ومثّل إعلان التعاقد معه بشكل رسمي، الخطوة الأولى في مشوار نجاح لم يحلم به أحد من متابعي الكرة المصرية.
اليوم، أصبح المنتخب الأوليمبي المصري حديث العالم، بفوز تاريخي على نظيره الإسباني، منحه صدارة المجموعة الثالثة في الدور الأول بدورة الألعاب الأوليمبية "باريس 2024" لأول مرة في تاريخ الكرة المصرية، ليعلن عن الظهور المصري الأفضل في الألعاب الأوليمبية منذ 60 عامًا بالتمام والكمال، عندما تأهل للمرة الثانية والأخيرة لنصف نهائي الأوليمبياد.
ترجم المدير الفني البرازيلي عمليا قيمة "المدرب" في كرة القدم، فتحول معه منتخب كان مشكوك حتى في مجرد تأهله إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية تحولًا إعجازيًا، والآن يقود حلم الميدالية الأوليمبية المصرية الأولى في كرة القدم، بعدما صنع التاريخ مع الأوليمبي البرازيلي، بالتتويج بالميدالية الأوليمبية الذهبية الأولى في تاريخ السليساو، في ريو دي جانيرو 2016.
لم تقتصر صعوبة مهمة ميكالي على "جودة" لاعبي الجيل الأوليمبي الحالي، بل تجمعت كل العوامل المحيطة بهذا الجيل لتزيد من صعوبة المهمة، فهو الجيل الذي لم يُكتب له خوض مواجهات رسمية خلال مرحلة الشباب، بسبب أزمة إصابة العديد من لاعبيه بفيروس كورونا أثناء خوض منافسات تصفيات شمال أفريقيا المؤهلة لكأس الأمم الأفريقية للشباب عام 2021.
واكتملت معاناة ميكالي عندما تم التعاقد معه قبل ثلاثة أشهر تقريبا من موعد المباراة الرسمية الأولى في التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأفريقية تحت 23 عامًا بالمغرب، ليصبح مطالبًا بتحديد القوام الأساسي في وقت قياسي، ودون خوض العديد من المواجهات الودية، لكنه نجح بامتياز، وتجاوز 4 مواجهات في التصفيات "ذهابًا وإيابًا امام إيسواتيني وزامبيا" دون استقبال أهداف.
مشوار رائع قدمه المنتخب المصري تحت قيادة ميكالي في النهائيات القارية، شهد نسقًا تصاعديًا وانتهى بحسم بطاقة التأهل لباريس بعد الفوز في نصف النهائي على غينيا، والوصول للمباراة النهائية دون استقبال هدف واحد في ثماني مواجهات رسمية متتالية، قبل الخسارة أمام أصحاب الأرض بعد وقت إضافي، في مباراة لعبها المنتخب المصري منقوصًا منذ الدقائق الأولى.
مع اقتراب منافسات باريس عاد التشكيك مجددًا، فما حدث قاريًا يصعب أن يتكرر عالميًا، فالتأهل عبر مجموعة تضم المنتخب الإسباني ونظيره الأوزبكي وصيف آسيا الذي قدم مستويات مبهرة في بطولة القارة الصفراء أمر صعب للغاية، أما تصدرها فهو المستحيل بعينه، لكن المستحيل حدث في بوردو، وجمع أبناء ميكالي سبع نقاط، أغلاها ثلاث من جعبة ملوك القارة الأوروبية.
ميكالي أصبح درسًا في حد ذاته، يتجسد في صورة مدرب كرة قدم، درس لكل من رفضوا قيادة المنتخب الأوليمبي المصري، ولم يمتلكوا الشجاعة والطموح، درس لكل من استخدم "الورقة والقلم" فقط في حسابات كرة القدم، وتجاهلوا الإبداع الفني، ودور المايسترو الذي يجيد استخدام عناصره مهما بدا للبعض تواضع إمكانياتها.