جميع المباريات

إعلان

فريال أشرف.. رحلة صاحبة الميدالية الذهبية من المطرية إلى طوكيو

فريال أشرف

رحلة صاحبة الميدالية الذهبية من المطرية إلى طوكيو

كتابة وتصوير - مارينا ميلاد:

في شرفة منزلها وقفت على أطراف أصابعها؛ لتتغلب على قُصر قامتها وتشاهد التدريب الذي يجري في النادي المواجه لها. لا تفهم ابنة الثماني سنوات ما هذه اللعبة التي يشتبك فيها الأطفال معًا؟، لكن يعجبها بشدة بدلاتهم البيضاء الملفوفة بالأحزمة.

نادت على أمها؛ طالبة بدلة مثلها؛ فاستجابت الأم وألحقتها بهذا النادي "نادي المطرية الرياضي". ولم تكد تقطع زمنًا طويلًا في تدريبها إلا وأكد مدربها: "فريال ستصبح يومًا بطلة عالم"؛ لكن لم تأخذ الأم كلامه على محمل الجد.

بعد سنوات؛ تلتقط الكاميرات دموع الأم وهي تنهمر فرحًا داخل مطار القاهرة أثناء استقبالها ابنتها العائدة من أولمبياد طوكيو بميدالية ذهبية في الكاراتيه؛ هي الأولى للاعبة في تاريخ مصر.

14 عامًا فصلت بين فريال التي ظنت أمها أنها تعلقت بلعبة ستتركها فيما بعد، وبين فريال البطلة الأولمبية التي حققت إنجازًا لم تعرفه مصر منذ أولمبياد 2004. سنوات صُنعت خلالها موهبة وسط زحام منطقة شعبية، وفي نادٍ محدود الإمكانيات وبدعم أسرة متوسطة الحال.. لذا صارت قصتها قريبة من متابعيها؛ قصة خرجت من الشوارع الضيقة وبرزت في ساحة الأولمبياد.

تغطي صورة ضخمة لفريال، وهي ترتدي بدلة الكاراتيه وتمسك بالميدالية، واجهة بيتها "برج القماشين" في شارع الخارجة بمنطقة المطرية.. يجاورها لافته بأن هذا البرج أنهى تصالحه مع الدولة على مخالفة البناء.

تنتمي عائلة فريال في الأساس إلى محافظة الفيوم. ولأن الهجرة نحو العاصمة كانت السمة الأبرز للزمن الذي تزوج فيه والداها؛ فجاءوا ليسكنوا هذه المنطقة التي صار يتجاوز عدد سكانها 600 ألف نسمة - وفقا لتقدير محافظة القاهرة عام 2017.

لكنهما لم يبدآ في هذا البرج، إنما في شقة جِد فريال الصغيرة المواجهة لنادي المطرية الرياضي، ذلك الموقع الذي كان سببًا في تعرف ابنتهما على الكاراتيه ومنه انطلقت رحلتها.

صورة - 1

ففي سن الثامنة؛ ضمت عزة السيد، والدة فريال، ابنتها لفريق الكاراتيه لرغبتها في ذلك، ثم صارت الأسرة كلها أعضاء بالنادي فيما بعد. تقول عزة: "إنه كان المتنفس الوحيد لهم"، ولو أنها تمنت الاشتراك في نادٍ أعلى مستوى، لكن لم يكن في استطاعتها.

شجع والدها، أشرف عبدالعزيز، هذه الخطوة. فرغم أنه موظف حكومي محدود الدخل، ولديه ثلاثة أبناء: أحمد، فريال، ومحمد؛ فإنه يدرك جيدًا أهمية الرياضة. إذ كان لاعب كرة قدم في النادي نفسه، ولعب مواجهات مع أندية أخرى، لكنه لم يستمر: "الرياضة بالنسبة لنا مُهمة مثل التعليم".

جرافيك 1التحقت فريال بمدرسة بورسعيد الخاصة، وبجانبها واظبت على حضور تمريناتها التي كانت تذهب إليها بحماس شديد. وقد تحول الجسد الهادئ دائمًا إلى جسد ممتلئ بالطاقة والقوة لدرجة فاجأت أمها ومدربها حسني أبوزيد؛ الذي يقول عنها: "كانت مميزة، جريئة، تتمرن مع الأولاد؛ لتأخذ من قوتهم.. لم تكن عادية أبدًا".

حاول كابتن حسني أن يهيئ لفريقه قاعة معقولة للتدريب رغم ضعف الإمكانيات في النادي؛ جمع فيها مع فريال 60 طفلًا مقابل أربعين جنيهًا شهريًا.

لذا؛ لم تكتفِ أمها بيومي التمرين العام وطلبت من مدربها إعطاءها تدريبات خاصة بثمنٍ إضافي يَذكر أنه كان 15 جنيهًا تقريبًا، يقول: "تلك التدريبات المكثفة تدعم صناعة بطلٍ.. ووالدتها أرادت ذلك".

صورة - 2

تمرين بعد تمرين؛ تدرجت فريال في الحصول على الأحزمة حتى وصلت إلى أول نقطة مهمة في مشوارها عندما شاركت ضمن فرق براعم الكاراتيه في بطولة القاهرة، وفازت بالميدالية الذهبية وعمرها 9 سنوات فقط. وقتها عرفت والدتها معنى البطولة وبداية المجد الذي يأتي معها، وهي لم تكن تتعدى معرفتها حدود لعبة الكرة الطائرة التي كانت تمارسها في المدرسة.

والأهم أنها أيقنت ما ذكره مدرب ابنتها بأنها ستكون بطلة يومًا: "أصبح لديها هدف تسير وراءه".

صورة -  3كانت منة مصطفى، زميلة فريال في المدرسة، تتعجب من هوس صديقتها بتلك اللعبة. فتتذكر أنه في كثيرٍ من الأحيان، كانت فريال تأتي الدروس ببدلة الكاراتيه، وتذهب مسرعةً بعد انتهاء الدرس مع والدتها لتلحق ميعاد التمرين.

لكن لا تخفي إعجابها بها، خاصة أنها كانت متفوقة في المدرسة أيضًا: "كنت على يقين أنها ستحقق شيئًا في يوم من الأيام". شجع ذلك منة على أن تمارس هي الأخرى اللعبة في المرحلة الثانوية، لكنها لم تبقَ طويلًا: "اهتممت بالمذاكرة وتزوجت بعد انتهاء دراستي.. ربما لو كنت بدأت في سن مبكرة مثل فريال لكنت تعلقت بها".

صورة -  4في عام 2010، وصل الكابتن حسني إلى محطته الأخيرة مع نادي المطرية بعد تغيير إدارته التي يقول إنها لم تقدم أي دعم للاعبي الكاراتيه، حتى أنه في إحدى المرات طلب حافلة لتنقل لاعبيه لإجراء لقاءات في أندية أخرى؛ ولم يوفروا له ذلك.

وسرعان ما تركت فريال النادي أيضًا في عمر الـ12، وواصلت تمريناتها في الصالة الرياضية الخاصة التي أسسها "حسني"، ثم انضمت إلى نادي الأندلس بمنطقة المرج وكان اشتراكه 100 جنيه حسبما يذكر سيد سالم، الذي تولى تدريبها هناك.

يرى سالم أن أساس مهارة فريال تَشكلت عندهم، إذ جاءت له طفلة لعبت منافسات البراعم وخرجت بطلة انتصرت في منافسات الكبار والتحقت بالمنتخب القومي.

صورة - 5يصفها "سالم" بأنها "عنيدة وترغب في الوصول إلى أعلى درجات النجاح"، مشيرًا إلى أن والدتها طالما ساندتها في ذلك، حتى أنها تكفلت برحلاتها إلى الخارج للمشاركة في بطولاتٍ.

تحكي الأم عن أنها فعلت ما في وسعها حتى تسافر ابنتها إلى دبي لأول مرة، ليس فقط للعب لكن الأهم هو أن تتعود على أجواء السفر والإقامة خارج مصر؛ خاصة أنها -على عكس ما يظهر في لعبتها- هادئة الطباع، قليلة الكلام، وليس لديها أصدقاء كُثر.

عادة تكون الأم هي البطلة الحقيقية في كثير من القصص، وبحسب كابتن حسني، فنسبة هؤلاء الأمهات أمثال "عزة" لا تتعدى الـ10%، فالباقيات تخرجن أبناءهن من النادي مبكرًا أو بالكثير بعد أول فوز.

صورة - 6 (2)رغم ذلك؛ سعت "عزة" ألا يؤثر اللعب على دراسة ابنتها؛ فطلبت من مدرسيها أن يعوضوها ما يفوتها في حصص خاصة. في الأخير؛ لم تأتِ الرياح بما تشتهي السفن، وحصلت فريال على مجموع 92%؛ ليضيع حلمها بالالتحاق بكلية صيدلة في جامعات حكومية.

لم يكن هناك حلٌ سوى الجامعات الخاصة، لكن فاقت مصروفاتها إمكانيات أسرتها، ثم وقعت الانفراجة.

قصدت والدتها -وهي حاصلة على مؤهل فوق المتوسط- جامعة الشروق للسؤال هناك، ثم صدمها الرد بعدم وجود كلية للصيدلة، لكنهم أشاروا عليها بالذهاب إلى الجامعة البريطانية. انبهرت الأم بشكل الجامعة وهو السبب نفسه الذي جعل زوجها لم يشجعها على السؤال مبررًا ذلك بأن "الجواب باين من عنوانه"، لكنها أصرت.

وفي طريقها وجدت إعلانًا معلقًا بخصومات 50% للحاصلين على ميداليات دولية؛ فلم تصدق ما تراه حتى تأكدت أن الحظ وقف معهم هذه المره، ودبرت بقية المبلغ المطلوب منهم.

التحقت فريال بالكلية التي طالما تمنتها، والتي قررت هذه الأيام إطلاق اسمها على دفعة التخرج هذا العام، وإحدى القاعات الدراسية بالجامعة.

يذكر الأب نقطة قوة ابنته التي عززتها أمها أنها إذا أرادت شيئًا تنفذه. في حين أن أكثر ما يضعفها ويخيفها هو الظلم؛ ويذكر في ذلك عندما شاركت في إحدى البطولات وقدمت أداءً قويًا جعلها تتعادل ثم خسرت بآراء التحكيم وفقًا لقانون الكاراتيه.

انتقلت فريال منذ عامين من مركز شباب المرج إلى المدرسة العسكرية الرياضية بمنطقة الشروق، وبات يومها ينحصر بين الجامعة والتدريبات أو معسكر مغلق مع المنتخب أو سفر. فيقول والدها: "لم تعش كباقي الفتيات في سنها، لكنها أحبت اللعبة وتعايشت مع كل صعوباتها".

وفقت بين دراستها ولعب الكاراتيه. تعددت مشاركاتها مع المنتخب، ومعها انتصاراتها تحديدًا عام 2019 الذي كان مميزًا بحق، حيث احتلت مصر المركز الأول في التصنيف العالمي للاتحاد الدولي للكاراتيه، واستطاعت فريال جمع نقاط في أكثر من بطولة لتُحسن من تصنيفها وتتأهل فيما بعد إلى أولمبياد طوكيو.

تَرقى والد فريال في وظيفته الحكومية، وانتقلت الأسرة قبل سنوات قليلة من بيتهم القديم المواجه للنادي إلى شقة مكونة من طابقين بـ"برج القماشين". جلست الأم أمامه؛ لتتابع توزيع الطعام الذي تم إعداده بعد أن "ذبحوا" احتفالًا بميدالية فريال.

يساعدها زوجها وأبناؤهما أحمد، الطالب في كلية الهندسة ومدرب السباحة في نادي المطرية، ومحمد، الطالب في كلية الشرطة. ويتزايد ضجيج شارع الخارجة حولهم عن المعتاد، حيث تتعالى أصوات "البلدوزر" لرصفه بناء على قرار الحي؛ ليكون مظهره لائقًا بفريال وبأي زيارات مهمة مُحتمل أن تأتي إليها.

صورة - 7

مَر كابتن حسني على هذه الأجواء، حيث إن صالته الرياضية تجاور بيت فريال. يقول الرجل إنه شعر بفخرٍ كبيرٍ، وقد باتت المنطقة بأكملها تعرف أنه مدربها. يحكي عن اتصاله بها قبل يوم من بداية الأولمبياد، التي يشارك فيها الكاراتيه لأول مرة، وأنه بكى من سعادته وشجعها أن تستكمل ما بدأته معه.

صورة - 6

قبل مجيء فريال إلى مصر بيوم واحد، ظل الأولاد الصغار يقبلون على والدها، الذي يجلس عادة على المقهى المجاور لبيتهم ويسألونه: "هي الكابتن جايه إمتى؟".

لم يكن هذا الوضع موجودًا قبل "الذهبية"؛ هكذا يقول مصطفى سليمان، جارهم وأحد أقارب الأسرة، "لا أحد شعر بوجود فريال وأنها لاعبة تحقق بطولات سوى بعض المقربين من أسرتها فقط".

صورة - 8

السبب في رأي "كابتن حسني" أن الرياضات الفردية "مقتولة" -حسب وصفه- فلا يهتم أحد بها ولا بلاعبيها.. يكمل مبتسمًا: "لو نأخذ دعمًا مثل كرة القدم سنصبح عفاريت".. وجهة النظر نفسها ذكرتها فريال في لقاء تليفزيوني، قائلة: "الكاراتيه مظلوم، ونحن نحتاج إلى دعم أكثر؛ لأن هناك فرقًا شاسعًا بين الألعاب الفردية والجماعية".

لكن يتوقع "حسني" أن يتغير الوضع في الفترة المقبلة. يعول كثيرًا على ما فعلته فريال والاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس عبدالفتاح السيسي معها في أحد البرامج التليفزيونية، والذي أبدى فيه اهتمامه باللعبة التي كان يمارسها في بداية السبعينيات.

وبالفعل بدأ يشعر ببوادر الاهتمام، فيقول "حسني" إنه على مدار الأيام الماضية زاد عدد المشتركين عنده من 100 إلى نحو 150 شخصًا.

صورة - 9

شيماء إبراهيم، التي تسكن بالقرب من الصالة الرياضية الخاصة بـ"حسني"، اشتركت معه لأبنائها الثلاثة: فاطمة، محمد، وحبيبة. تقول إنها في البداية كانت تريد ملء وقت فراغهم بشيء مفيد يحبونه، لكن الآن تتمنى أن يصلوا مثل فريال التي لم تكن تعرفها من قبل.

وصلت فريال، أمس الخميس، مصر، استقبلها وزير الشباب والرياضة ومسؤولون عديدون، وبالتأكيد أسرتها، هؤلاء القائمون بمفردهم على صناعة نجاحها، وقد وصفهم الرئيس السيسي خلال حديثه لهم بأنهم "أشخاص عاديون.. ليسوا من كوكب تاني". انطلقت فريال في حافلة مكشوفة إلى المؤتمر الصحفي الذي بدأته بشكر أسرتها على كل ما فعلوه لأجلها.

 

في مساء كل يوم؛ يمر الأطفال الذاهبون إلى التدريب عند كابتن حسني من أمام بيت فريال المعلق عليه صورتها. يسأل محمد (8 سنوات) والدته "شيماء" إن كان يمكنه أن يتصور معها. فتعده إن التزم في تمارينه ستحاول أن تجعله يقابل فريال هذه الأيام.

فيديو قد يعجبك:

الإحصائيات

جميع الإحصائيات

التعليقات

مسابقة ملوك التوقعات

توقع الآن
تطبيق يلا كورة

تابع الأحــداث الرياضيــة و حــمــل التطبـيق الآن

appimg