الأحد 26 مارس 2017
11:43 م
لا افهم سر العلاقة بيني وبين جماهير الأهلي، لم استطع تفسير هذا الأمر، ليس فقط جماهير الأهلي ولكن جماهير الأندية المنافسة، ليس معقولا ان تجد منافسك يحبك".. هكذا يرد مانويل جوزيه المدير الفني الأسبق للأهلي عن علاقته بالشعب المصري عموما وجماهير الأهلي خاصة.
وبإعلان جوزيه رسميا عبر صحف بلاده اعتزاله العمل التدريبي على صعيد الأندية والمنتخبات، ورغم تلميحه سابقا خلال تواجه في مصر عن هذا الأمر لكن 26/3/2017، كانت نهاية رحلة البرتغالي التدريبية.
"حدوته برتغالية في الملاعب المصرية"، مانويل جوزيه لم يكن مجرد مديرا فنيا اجنبيا جاء للنادي الأكبر في مصر لتولي مسؤوليته في بداية فترة هي الأسوأ للنادي في العصر الحديث بعد بداية الألفية الجديدة.
فالرجل الذي "نام" مرات عديدة وهو يتابع مباراة للنادي الأهلي قبل أن يتولى تدريب الفريق، واصيب بالإحباط عندما شاهد تسجيلات لمباريات الفريق نظرا لمعرفته بما هو مقبل عليه في بلد سمع عنها فقط، لم يكن يتخيل أنه سوف يتُوج ملكا بها ويصبح اسطورة تتغنى الجماهير باسمه.
"فزت على ريال مدريد وتوجت بدوري ابطال افريقيا للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة لكن شعرت أن هناك شيئا ناقصا"، كان جوزيه يرى أن ما حققه في الولاية الأولى لم يكن كافيا عند الجماهير رغم حجم الانجاز الافريقي ومباراة القرن، لكن مباراة الـ6/1 الشهيرة أمام الزمالك غيرت كل شيء، فالجماهير ايقنت أن هناك رجلا يعد ويبني فريقا مختلفا.
رحيل مانويل جوزيه في ولايته الأولى جاء تمهيدا لأن يدخل قلوب الجماهير المنتمية للنادي الأهلي، فكلماته عندما رحل وتقييمه للاعبين وصدقة وشعور الجماهير بإخلاصه جعلتهم يطالبون بـ"عودته" لانتشال الفريق من سنوات الضياع.
عاد مانويل جوزيه في الولاية الثانية، وكان قد درس كل شيء عن النادي والبلد التي رحل عنها ليحصد كل شيء ويتوج بكل البطولات ويحطم كل الأرقام ويدخل قلوب الجماهير.
لم يكن البرتغالي "ملاكا" معصوما من الخطأ، فقد اتخذ قرارات خاطئة واختار لاعبين دون المستوى فهو بشر في النهاية يخطئ ويصيب، لكنه كان صادقا ومخلصا، لم يكن مجرد اجنبيا جاء ليحصل على راتبه ويؤدي واجبه ويرحل، لكنه عمل في بلد اخر كمحب وعاشق لها، مقدرا لأن تلك البلد وهذا النادي منحوه مجدا تدريبيا.
لا ينكر جوزيه ما حصل عليه من الأهلي سواء من شهرة ومجد وتاريخ وأموال، وكيف اصبح مدربا اكثر شهرة بسبب القلعة الحمراء وجماهيره، لهذا كان حب الجماهير له "اضعاف"، دائما ما كانت تسانده في كل القرارات، كان يستمد قوته منها، والجميع كان يخشاه بسببهم، "قوانين جوزيه نحن نساندها" "هو هو يحكم دايما دايما يحكم" هكذا كانت تهتف جماهير الأهلي لجوزيه.
"اطفال صغار تأتي لتلقط الصور معي، كيف يحدث هذا، متى شاهدوا حقبتي مع الأهلي ليحبوني هكذا".. لم يصدق جوزيه أن الأجيال الصغيرة توارثت حب من عاصروا حقبته وشربته دون ان تعيش تلك اللحظات، ما شاهدوه من تسجيلات وحوارات وما سمعوه من قصص جعلهم يرتبطون بأسطورة جوزيه دون معاصرتها.
فهذا الطفل الذي بمجرد أن لمح جوزيه في سيارته اثناء حوار مصور بالفيديو مع قناة برتغالية ركض ليهتف باسمه وباسم النادي الأهلي برهانا على مدى "العشق" الذي يتمتع به جوزيه في قلوب الأهلاوية.
اشياء اخرى، جعلت من جوزيه اسطورة ستظل محفورة في تاريخ الكرة المصرية، لقد كان سببا في تغيير مفاهيم عديدة، ساهم في انهاء "عقدة شمال افريقيا" والرضا بالتعادل خارج الارض افريقيا، استخدم طريقة لعب وبنى جيلا دون تاريخا للفراعنة.
"رصيدك في البنك ليس المال ولكن البطولات، لا تكتفي بهدف واحد طالما تستطيع ان تسجل أكثر من هدف، لا تبخل على نفسك، هذا هو رصيدك في الحياة"، كلمات واقوال تخرج تلقائيا من لاعبين تدربوا على يد البرتغالي، الأمر لم يكن مجرد تحقيق الانتصار، ولكن كيف يتحقق الانتصار، لماذا لا تُمتع الجماهير طالما تستطيع، لاعب الكرة عمره صغير في الملاعب فيجيب أن يستغل كل دقيقة، تلك هي فلسفت البرتغالي التي اصبحت دروسا في كرة القدم يقدمها من تدربوا تحت يده للأجيال الجديدة.
مانويل جوزيه الذي وبخ اللاعبين بعد الفوز على الزمالك 6/1 بسبب عدم احراز اهداف اكثر والاكتفاء بهذا العدد، هو نفسه الذي وقف في ارض الملعب يحيي لاعبيه بعد الخسارة 3-0 من الاسماعيلي معلنا تحمله المسؤولية، فهو الذي قال "الأسوأ من الخسارة، هو عدم القتال من أجل العودة".
فالبرتغالي كان دائما ما يتحدث عن فرحة البسطاء والفقراء والمواطن البسيط بانتصار الأهلي، كان يُذكر لاعبيه دوما بأنهم اصبحوا اغنياء بسبب جماهير الأهلي، فلا يجب أن يتوقفوا عن اسعادهم.
يوما بعد الأخر، عاش جوزيه داخل قلب كل مشجع، فأصبح هو نفسه محبا لمصر وعاشقا لها، يتحدث عنها دوما بشكل جيد رغم تعرضه لحملات شرسة في بعض الوقت، قام بالمشاركة في بعض الأعمال الخيرية.
أيام جوزيه في مصر لم تكن جميعا "وردية" لقد شاهد موت لاعبا بين صفوف فريقه وهو محمد عبدالوهاب، ايضا شاهد حادثة استاد بورسعيد وسقوط ضحايا من جماهير الأهلي بجانب احداث مباراة الملعب المالي.
"القائد لا يمكن ان يهرب، "لحظة لا يمكن ان انساها"، هكذا يتحدث جوزيه عن مأساة بورسعيد، فهو قال أن ظل في الملعب لم يركض، لم يشعر بالخوف، اراد ان يطمئن على لاعبيه وجماهيره دون النظر لما يمكن أن يتعرض له، رفض ان يرحل عن مصر في منتصف الطريق إلا بعد أن يقود الفريق لبر الأمان في اصعب لحظاته في مصر.
"وافقت على الفور ارتداء قميص مشجع الأهلي"، هذا ما فعله جوزيه عندما طُلب منه ارتداء قميص يحمل صورة مشجع اهلاوي توفي في أحد المظاهرات، رغم ما اعلن عنه بأنه كان يتوقع أن يكون هناك أزمات بسبب ما فعله لكنه لم يكن ليتأخر عن تقديم الدعم والتعازي لمشجع من جماهير ناديه، ركض بعد المباراة ليحيي الجماهير ويشير للصورة، فزاد العشق داخل القلوب.
لم يكن ابن من ابناء القلعة الحمراء، لم ينشأ في عائلة من اب وام مصريين لكن الجميع تعامل معه "واحد مننا"، مجرد أن تطأ قدمه مصر تجد الجميع يتذكره بكل خير، مهما حاول البعض ان يسخر منه او يهاجمه يجد ملايين تدافع عنه وتكرمه، في كل زيارة له يجد من يستقبله، فمكانه اصبح في "الثالثة شمال".
لقد وقف امام سيارة شرطة ينتظر الافراج عن مشجع اهلاوي مطالبا بتركه وإلا ان يذهب معه للقسم، خلع معطفه في احد المباريات منفعلا باعثا برسالة "اليكم دمي، لكن اتركوا اللاعبين" عندما وجد تدخلات عنيفه ضد اللاعبين في احد المباريات دون تدخل الحكم، جماهير الأهلي وجدت درعا لها يقف أمام المغرضين.
ومع انتهاء قصة جوزيه في عالم التدريب تظل كلماته واقواله المأثورة محفورة في الأذهان، فالكارهون لمانويل جوزيه مهما حاولوا "تلويث" تاريخه لن ينجحوا، فجوزيه له "جيشا" في مصر يدافع عنه عن "حب" و"اقتناع"، فالأمر تخطى مجرد مدرب اجنبي جاء وعمل وحقق بطولات مع نادي كبير اي شخص مطالب بتحقيق البطولات والانجازات معه، لكن الأمر تخطى كل الحدود.
قد نحتاج لسطور عديدة اخرى لكي نسرد ما تعلمناه من البرتغالي وكيف غير التاريخ، فالكرة المصرية قبل جوزيه تختلف كثيرا عن ما بعد جوزيه.
لمتابعة الكاتب تويتر.. اضغط هنا