الثلاثاء 5 أبريل 2011
05:21 م
قرار رئيس الحكومة واتحاد كرة القدم بإلغاء الدوري لهذا الموسم ثم التراجع عنه والاكتفاء بالتأجيل لأجل غير مسمى .. يفتح باب الحوار الحقيقي بشأن هذا الدوري الذى يريد البعض عودته ولا يريده البعض الآخر .. وأشهد أن هناك مواجهات جرت بين الفريقين وكانت شديدة الرقى والاحترام .. كل فريق يدافع عن وجهة نظره ورؤيته بأدلة وحكايات وتجارب واستشهادات لها قيمتها ومعناها.
ولكن هناك صور أخرى فى المقابل باتت امتدادا طبيعيا لكل خلاف فى الرأي يشهده أى مكان أو مجال فى مصر .. بسرعة يتحول الحوار إلى تبادل للإهانات والشتائم والصدام لأن كل أحد يتخيل نفسه صاحب الحق الوحيد وما يراه هو الصواب ومن يعارضه إما فاسد أو ساذج أو غبى وجاهل.
وقبل أن أطرح فكرة الدورى وعودته للنقاش .. أود التوقف أولا عند أصدقائى وشركائى فى التفكير والحوار عبر نافذة Yallakora.com .. ففي الأسبوع الماضي قدمت رؤية خاصة بشأن اللحظة المناسبة للانصراف حفاظا على رصيد سابق من نجاح وأضواء .. وكان هناك من قراء Yallakora.com من أيدنى وكان هناك من عارضني .. فكانت المواجهة رائعة وراقية كل من يقف أمامها ويتأملها يخرج بعدة نتائج أهمها أن الفكر ليس محصورا على من يكتب أو يتكلم فقط .. وأن هناك قراء بملكون ثقافة ووعيا أشد عمقا ورصانة وأكبر مساحة وأكثر ترتيبا من آخرين كثيرين هنا وهناك .. وهذا ما شجعنى اليوم على دعوة كل قراء الموقع لممارسة نفس هذا الرقى والعمق والاحترام فى مناقشة وتحديد الأصلح .. عودة الدورى أم تأجيله أو الغائه.
أنا شخصيا أرى الغاء الدوري لهذا الموسم .. ليس فقط بسبب ما جرى فى مباراة الزمالك والأفريقي التونسي فى استاد القاهرة هذا الأسبوع .. وإنما لشواهد وملامح ومقدمات كثيرة تجعلنا قادرين على توقع نتائج مخيفة ومقلقة لو عاد الدورى بمبارياته ومنافساته وحساسيته وسط الظروف الحالية التى تعيشها مصر .. فمن ناحية .. لم يعد الأمن الرسمي إلى مصر بعد .. ولا أظنه سيعود فى يوم وليلة مع كامل التقدير والاحترام لوزير للداخلية يريد ذلك وإعلانات تليفزيونية تدعونا كلنا للاطمئنان.
أنا شخصيا أرى الغاء الدوري لهذا الموسم .. ليس فقط بسبب ما جرى فى مباراة الزمالك والأفريقي التونسي فى استاد القاهرة هذا الأسبوع
وبدون هذا الأمن وعودته واستعادته لكامل قوته واستقراره .. مستحيل أن تعود الكرة ويعود جمهورها لملاعبنا .. وسيناريو مباراة الزمالك والأفريقى سيتكرر قطعا فى بقية الملاعب .. جمهور للإسماعيلى أو المصرى لن يقبل الخسارة أمام الأهلى ولن تكتمل المباراة .. وجماهير أخرى لن تقبل الخسارة أمام الزمالك .. وبالطبع ستتحول مباراة الأهلى والزمالك لمذبحة بشرية على الهواء.
وأرجوكم أن تتخيلوا فى حالة الأمن المضطربة ضابطا يقبض على أى مشجع خارج على القانون أو ارتكب أى جريمة أو قرر الدخول إلى أى ملعب يحمل مطواة أو حتى قنبلة يدوية .. كيف سيتعامل الجمهور مع هذا الأمر .. وهل يمكن أن يخرج هذا الضابط حيا من الملعب .. وبعيدا عن الأمن الغائب والذى قطعا لن يعود بسرعة .. وفى هذا الانفلات النفسى الذى نشهد عليه كلنا الآن.
كونوا واقعيين وتخيلوا جمهورا صاخبا وغاضبا وهل سيقبل ويرضى بقرار للحكم يراه خطأ وظلما ومجاملة للفريق المنافس .. وإذا كان ذلك يحدث طول الوقت قبل ثورة يناير .. فلكم أن تتوقعوا شكل هذا الاعتراض ومنهجه بعد الثورة .. وأظن أنه فى غياب الأمن فستنتهى كل مباراة صعبة أو حساسة وشائكة بحكم واحد على الأقل لن يخرج من الملعب حيا أو على الأقل لن يخرج على قدميه.
ثم تعالوا نتخيل كل هذه الشكوك واتهامات الفساد التى باتت تحاصر رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد الكرة .. ففى هذا المناخ سيسهل جدا تفسير اختيار أى حكم لأى مباراة أو أى قرار بعقاب أى لاعب أو ناد باعتباره نتيجة هذا الفساد الذى عشش داخل الجبلاية خاصة وأننا الآن نعيش أوقاتا صعبة ليس فيها أسهل من اتهام أى أحد بأى شىء دون عناء تقديم أى دليل .. أى أنه فى حالة استئناف الدورى فى هذه الظروف .. لا أستبعد مطلقا أن يتهم أحد عشاق الأهلى المجلس العسكرى الأعلى بالعمل على فوز الزمالك بالدورى .. أو يتهم أحد عشاق الزمالك الحكومة أو وزارة الداخلية بإصدار توجيهات بفوز الأهلى .. وسيجد هؤلاء من يصدقهم ويسيرون وراءهم .. وسنعيش حربا أهلية كروية ساخنة ومشتعلة طول الوقت وسيصبح ضحاياها لا أول لهم أو آخر.
لا أستبعد مطلقا أن يتهم أحد عشاق الأهلى المجلس العسكرى الأعلى بالعمل على فوز الزمالك بالدورى .. أو يتهم أحد عشاق الزمالك الحكومة أو وزارة الداخلية بإصدار توجيهات بفوز الأهلى
ويبقى الإعلام .. إعلام كرة القدم .. والذى أتخيل أن كثيرين من العاملين به أو القائمين على برامجه ومساحاته .. لا يزالون بنفس مناهجهم القديمة القائمة على الصخب والصوت العالى والتحريض على الفتنة وإشعال نيرانها .. منهم من ينتمى للأهلي ومنهم من ينتمى للزمالك .. ولم يدرك هؤلاء أو لم يفهموا أن مصر تغيرت بعد يناير أو يجب أن تتغير .. بل إننى أخشى من هؤلاء فى حالة عودة الدورى بسرعة أكثر مما أخشى غياب الأمن أو عدم استعادته كامل قوته .. لأن نجوم الكرة وإعلامها.
لا يزالون غير مصدقين أن مصر أصبح فيها ما يهم الناس ويشغلهم غير كرة القدم وحدها .. والشارع المصرى الآن لم يعد شارعا مهووسا بالكرة وحدها .. وإنما باتت هناك قضايا وشواغل أخرى وحقيقية .. وقد لا يمثل ذلك أى أزمة أو مشكلة لجمهور الكرة وعشاقها فى مصر .. فهذا الجمهور العاشق اعتاد أن يحب الكرة دون أى مقابل ودون أى حدود ولا ينتظر منها أى شىء.
أما فى الإعلام .. فليس هناك أحيانا هذا الحب المجانى .. وإنما لكل شىء ثمن حتى العشق والهوى .. ومشكلة هؤلاء الإعلاميين أن شعبية برامج الكرة تراجعت كثيرا وجدا .. لم يعد الإعلاميون الكرويون هم الذين يقفون وحدهم فى الساحة .. لم يعودوا وحدهم يمتلكون كل الأضواء والأصوات العالية .. فالجمهور إما أصبح يضيق بوجوه قديمة ورؤى وأفكار لم تتغير لتناسب ما جرى فى مصر .. أو لم يعد متفرغا طول الوقت لكرة القدم وأخبارها وحكاياتها .. وبالتالى يعيش هؤلاء الإعلاميون أوقاتا عصيبة ومؤلمة .. هم يريدون استعادة بريق وأضواء الزمن القديم بأى شكل أو ثمن .. حتى لو اضطروا لإشعال النار فى كل شىء من أجل أن يستردوا اهتمام كل الناس والتفاتهم.
هكذا أخاف من الدورى إذا عاد فى مثل هذه الظروف والأجواء .. ولكننى سأحترم أصحاب رؤية أخرى فى المقابل ترى عودة الدورى .. مثلما أحترم أيضا أحاسيس ومشاعر كل هؤلاء الذين لا تمثل الكرة لهم مجرد لعبة للحب أو الفرجة وإنما هى مصدر الرزق ووسيلة البقاء فى زن صعب .. ولكننى لا أرى ذلك مبررا كافيا لأن يعود الدورى الذى قد تعود معه حروب ودماء وصدامات وجروح قد لا يتحملها وطن لا يزال أصلا يضمد كثيرا من الجروح المفتوحة والنازفة.
هكذا أخاف من الدورى إذا عاد فى مثل هذه الظروف والأجواء .. ولكننى سأحترم أصحاب رؤية أخرى فى المقابل ترى عودة الدورى
وأرجو ألا يتخيل أحد أن عودة الدوري هي التي ستعيد الحياة فى مصر إلى طبيعتها أو أن الناس ستعود وتنشغل بالدوري ومبارياته فيخفت صوتها وصراخها بشأن بقية القضايا والأوجاع .. فهذا استخفاف بالناس لا أنا أقبله واوافق عليه .. ولا يستحقه هذا الشعب الرائع الذى قام بثورة خرافية بحثا عن الحرية والعدل والمستقبل والأحلام والحياة الممكنة.