الأربعاء 6 أكتوبر 2010
05:48 م
حينما كنت صغيراً علمني أهلي الكلام ولغة اللسان .. والآن علمني الناس الصمت وعدم إخراج الكلام.. ولو حتى في الحق، ويكفيني فقط أن أرفع حاجبي لأعبر عن مدي تعجبي مما أراه أو أسمعه .. هذا هو حال شارعنا المصري بعد سنوات طوال، أنجبت خلالها أمهاتنا المزيد من أطفال "السكوت".
حينما تتحول مباريات كرة القدم – المادة التي ترفه عن الناس - إلي ما يشبه الحروب، حيث الانتقام والاقتحام، والحرق والشنق، والنهب والسلب، وسب الآخرين بأقذع الشتائم، بل قد تصل الأمور إلي التخطيط وخدع حرب الشوارع، وقتها نستطيع استنتاج أسباب ما نحن فيه الآن.
منذ أسبوعين تقريباً، حدثت واقعة جماهير كرة اليد وسط شوارع حي الزمالك الهادئ، ووصل الأمر بالجماهير لتحطيم كل ما طالت أيديهم من منشآت وسيارات ليس لأصحابها أي ذنب سوي إنهم من قاطني هذا الحي أو ألقت بهم المصادفة في شوارعه في هذا التوقيت.
فما شهدناه في استاد القاهرة وقت مباراة الأهلي والترجي من الجمهور التونسي ليس بجديد علي ملاعبنا، فهو يحدث بين جماهير فرقنا بل وأكثر
ووقتها، تساءل الجميع في نفس واحد: أين دور الأمن؟ بل وأين الأمن من الأساس؟ ومنذ متي لم نر سيارة الشرطة الدورية الشهيرة في الشارع الذي تسكنه والتي كانت يوماً كانت تجوب الشوارع وتمنع أي خروج عن النص حتى ولو كان من فرد أو اثنين وليسوا جماعة؟
مستغرب ليه؟ فما شهدناه في استاد القاهرة وقت مباراة الأهلي والترجي من الجمهور التونسي ليس بجديد علي ملاعبنا، فهو يحدث بين جماهير فرقنا بل وأكثر، حيث يقوم البعض بالتغني بوصلة التحطيم والتكسير والحرق، فيرد الأمن بما هو أقسي، وكل موسم نري نفس المشهد .. فلماذا تتعجب مما رأيته؟؟
أمر عادي أن تقتل أخاك فيأتي غريب ليقوم بقتلك، لأنك ببساطة لست أمينا علي أهل بلدك، وهذا ما يقوم به أمننا حالياً في جميع المحافل الكروية مع الجمهور المصري من رد علي ما اقترفته يديك أنت وغيرك، ولنا فيما يحدث حالياً وقت دخول المباريات - التي كان الفرد منا يشعر بسعادة غامرة وهو ذاهب اليها – لنا فيها مثال.
بات الأمر يجب التصدي له وغير مستغرب أن تري رجل شرطة يلقي القبض عليك في أي وقت داخل الاستاد وكأنه ضبطك متلبسا بالسرقة أو القتل
مستغرب ليه؟ فإذا كنت تدافع عن المخطيء فمن يحاسبه إذاً؟ وقد كانت تلك الأحداث التي شهدتها مباراة الأهلي والترجي هي بعينها ما قامت جماهير مصرية من قبل، بل وكان بعضها في مباريات ودية، وتذكروا ما حدث داخل النادي الأهلي أثناء مباراته التجريبية مع كفر الشيخ مطلع هذا الموسم.
وقتها ألقي الأمن القبض علي عدد من جماهير الأهلي التي حطمت وكسرت وردت بردة فعل أعنف وسالت الدماء في ملعب كرة قدم وليس حلبة مصارعة، وخرج الجميع بعدها يقول: معلش أصل دول شوية عيال وولاد ناس .. مستقبلهم هايضيع .. مش هايعملوا كدا تاني .. طيب وبعدين؟؟ أليس هذا مخطيء واللص والقاتل أيضاً مخطئين؟!
ومنذ وقت أصبحت ظاهرة الشغب الكروي في جميع الملاعب، ولم تعد جماهير الكرة المسالمة في مأمن مما يحدث هناك وهناك، بات الأمر يجب التصدي له وغير مستغرب أن تري رجل شرطة يلقي القبض عليك في أي وقت داخل الاستاد وكأنه ضبطك متلبسا بالسرقة أو القتل، لأنك ببساطة غلطت .. فلا تسأل مجدداً أين دور الأمن .. وللعلم فقط، الجمهور التونسي الذي تم إلقاء القبض عليه سيحاكم كما نصت القوانين وبتوصيات تونسية .. يعني زيه زيك.
وذكرني ما شاهدته في استاد القاهرة من الجمهور التونسي ببعض الكلمات التي قيلت في فيلم الإرهاب والكباب وهي: "في أوروبا والدول المتقدمة" لا تعطي بعض القنصليات والسفارات تأشيرة السفر لكل "من هب ودب" هكذا مثلما يحدث عندنا، بل هناك قوانين وأمور أشبه بالتحريات قبل دخول البلد.. لكن عندنا السايب في السايب تحت مسمي الأخوة .. وهذا أيضاً دور من أدوار الأمن الذي دائماً ما يمنع ويرفض إقامة مباريات محلية لعدم مطابقة بعض الملاعب ومداخلها ومخارجها للمواصفات التي تحمي المشجع.
أحيي رئيس الترجي ورئيس الاتحاد التونسي والسفير التونسي علي شجاعتهم ومدي احترامهم وتقديرهم بالإعتذار لمصر وشعبها عامة وجماهير الأهلي خاصة
وللعلم فقط، ما حدث في استاد القاهرة وشاهده الجميع ليس هو الصورة الصحيحة والكاملة لكل الأحداث التي صورت الأمر علي إنه اعتداءات تونسية علي الأمن المصري واستاد القاهرة .. بل إن الشرارة الأولي جاءت حينما ألقي أحد التوانسة بصاروخ علي أرض الملعب، واشتعل بعدها الموقف حينما كان الأمن يلقي القبض علي هذا الشخص، ليتبادل الجميع الضرب ولدي الدليل بالصورة والصوت .. وهذا ليس مبرر لكل ما حدث بالطبع ولكنها كانت البداية.
وللأسف، بثت إحدي القنوات التونسية شريط اعتداءت الأمن المصري علي الجمهور التونسي في محاولة لتصوير الأمر علي أن المصريين هم من تسببوا في كل ما حدث، وإنهم أول من أطلقوا شرارة الأحداث واعتدوا عليهم في مدرجات الملعب بلا أي سبب.
ومن هنا، أود أن أحيي رئيس الترجي ورئيس الاتحاد التونسي والسفير التونسي علي شجاعتهم ومدي احترامهم وتقديرهم بالإعتذار لمصر وشعبها عامة وجماهير الأهلي خاصة علي ما جري من جمهور الترجي .. فما تعليق القناة التونسية علي هذا الأمر؟
وقبل أن انتهي أود أن أعطي معلومة بسيطة لكل من يريدها ناراً، فمنذ زمن ليس بالقصير وجمهوري الأهلي والترجي بالذات يداً بيد في جميع المحافل، بل أن هناك أصدقاءً لي أنا شخصياً وعددهم ليس بالقليل استضاف بعض من أصدقائهم التوانسة في القاهرة أكثر من مرة وكان آخرها قبل مباراة الفريقين حينما أقيمت مآدب غداء وعشاء ليلة اللقاء .. وهذا للعلم فقط.. وفكروا فيمن تسبب فيما حدث.
قال أحد الحكماء لابنه في موعظة: يا بني .. إذا أردت أن تصاحب رجلا فأغضبه ..فإن أنصفك من نفسه فلا تدع صحبته .. وإلا فاحذره!