باتت كرة القدم التي نعاصرها اليوم، لعبة نعتمد بشكل كبير على النواحي البدنية، خاصة بعد ثورة التكنولوجيا التي جعلت النواحي الخططية لهذه اللعبة تزدهر بشكل جنوني مؤخرًا، لتتحول هذه اللعبة التي كانت تعتمد على المواهب الفذة قديمًا، إلى لعبة تعتمد على القوة والسرعة والوعي والذكاء، ثم تأتي المهارات في المقام الأخير.
في الوقت الحالي أصبح لاعب الجناح، والمهاجم، هم أبرز الخيارات الهجومية لأي فريق، أما اللاعب المهاري الذي كان يصنع الفارق (اللاعب رقم 10) أصبح كالعملة النادرة التي بات من الصعب الحصول عليها.
ولعل ما تشهده كرة القدم الآن هو تطور هائل، جعل مشاهدة المباراة وكأنها حربًا ليس بها الوقت لالتقاط الأنفاس، بل أنك ستشعر بما يشعر به اللاعبون الذين أصبحوا لا يتوقفون عن الركض طوال الـ90 دقيقة.. لكن الساحرة المستديرة، افتقدت مؤخرًا بشكل كبير لمتعة اللمسة الجمالية، التي كانت تجعل الجماهير تصفق للمبدعين على أرضية الميدان، خاصة بعد أن اقتربنا من نهاية عصر ميسي، صاحب الموهبة الأعظم في تاريخ كرة القدم.
ساحر مفقود
في يناير 2004 انتقل اللاعب الهولندي الشهير ديفيدز لفريق برشلونة الإسباني على سبيل الإعارة، ولم يحصل ديفيدز مع الفريق الكتالوني على البطولات، لكنه كان يقوم خلال التدريبات بتأدية مهارات استثنائية بالكرة، مع الساحر البرازيلي رونالدينيو.
في هذه الفترة، لم يكن رونالدينيو ذلك الأسم الكبير في عالم كرة القدم، كان فقط في بداية مشواره ليُصبح بعدها أفضل راقص سامبا داعب كرة القدم، في نفس الوقت، كان إدجار ديفيدز لاعبًا شهيرًا، ارتدى قمصان عمالقة إيطاليا، إلى جانب تمثيله للمنتخب الهولندي، الذي كان يضم أفضل اللاعبين في ذلك الوقت.
وعن هذه المنافسة الخاصة بالمهارة مع راقص السامبا، قال ديفيدز: "لم يكن صراع حقيقي، كل ما في الأمر أننا كنا نتنافس لإظهار قدراتنا على ابتكار المهارات وتنفيذها بشكل مثالي دون أخطاء".
وأضاف ديفيدز: "رونالدينيو هو أفضل لاعب لعبت معه خلال مسيرتي الكروية، بجانب بيتر هويكسترا زميلي السابق في أياكس"، ومن هنا يبدأ الحديث عن هويكسترا، الأسم الذي لا يعرفه الكثيرين، حيث كانت مسيرته مع أندية أياكس وآيندهوفن الهولنديين، إلى جانب تجربة احترافية في الدوري الإنجليزي مع ستوك سيتي، إضافة إلى تمثيل منتخب الطواحين الهولندي في 5 مناسبات فقط، ولم يسجل خلالها أي هدف.
الغريب أنه على الرغم من هذه المسيرة المتواضعة، إلا أن ديفيدز قارن مهاراته بمهارات أفضل مهاري شهدته كرة القدم في تاريخها، وهو الشيء الذي قد يجعلك تتسائل، كيف كانت مهارات هويكسترا، ولماذا لم يبرز أسمه وسط أساطير كرة القدم على الرغم من هذه الموهبة الفذة؟
الجانب الأول هو عدم احتراف هويكسترا مبكرًا، ففي وقت ظهوره لم يكن الاحتراف شيئًا سهلًا حتى بين الأندية الأوروبية، كما أن فترة التسعينيات بالقرن الماضي، كان الدوري الهولندي يعد أحد الدوريات الكبرى في أوروبا، ولذلك قضى هويكسترا معظم مسيرته مع الكبيرين، آيندهوفن وآياكس.
90 مباراة بالدوري سجل خلالهم 21 هدف، وهدف واحد خلال 7 مشاركات بالكأس مع آيندهوفن، ومع آياكس شارك في 68 مباراة وسجل 14 هدف، بجانب هدف في 8 مباريات بالكأس.
وعلى الرغم من استدعاءه لقائمة هولندا في يورو 1996، إلا أنه خلال 5 مشاركات دولية، لم يسجل أي هدف، كل هذه الأرقام لم تكن لتشفع لهويكسترا لأن يصبح أحد نجوم هذا الجيل الذي كان مدججًا بالنجوم والعظماء وأساطير مروا على كرة القدم مرور الكبار.
هويكسنرا الذي لم يمتلك مسيرة كبيرة إلا في الدوري الهولندي، كان أحد أبرز اللاعبين مهارة في هذا الجيل، كما أنه كان يسجل أهدافًا مذهلة معتمدًا على مهاراته الكبيرة.
وعندما تشاهد لمسة هويكسترا للكرة، ستتمنى ولو أنه ظهر في هذا العصر الذي يعتمد بشكل أكبر على القوة والسرعة، وأصبح تواجد لاعب مهاري في قائمة فريق، أمر ثانوي، لندرة اللاعبين أصحاب هذه المهارات الخاصة في الملاعب الخضراء حاليًا.