جميع المباريات

إعلان

علي معلول.. المارد الأحمر لمُصباح جمهور الأهلي السحري

علي معلول

معلول

كتبت - دنيا سعد:

ماذا ستطلب إذا عثرت على المُصباح السحري؟

سؤالاً يُطرح لفتح باب الأمنيات في كَنَف اللامنطق كونه يستند على الأسطورة الخيالية الشهيرة «علاء الدين والمصباح السحري»؛ وبالرغم من إدراك الجميع لعدم المنطقية تلك إلا أنه يظل السؤال الذي يستهويهم فَبمجرد أن يقع على مسمعِهم يجعلهم يجوبوا جوبًا بعيدًا بلا حاجز أو قَيْد دون أن يهتموا بالمحدودية والبساطة أو يعيروا إنتباهم لأي عوائق تعجيزية قد تُبعدهم عن تحقيق مبتغاهمِ فحينما يحين وقت الحديث عن "مارد الأمنيات" سيبحثون عن الثراء في كل شيء مادي ومعنوي وسيُسهبوا في حديثهم إسهابًا لا يقطعه إلا هَزَّة لكِتفهم حتى يُحاكوا الواقع من جديد.

علاء الدين الذي خرج السؤال من بؤرة حكايته كان المصباح السحري المَناص الوحيد لإخراجه من حبستِه في كهفٍ حُصِر خلف بابه بعد أن تعرض للإحتيال من قِبل ساحر أدعى أنه أتى ليرشده إلى أحدى سُبل الثراء الفاحش بالإستيلاء على كنزٍ مندثر بداخل أحدى الكهوف في مقابل منحه مصباح سحري سيجده بالداخل.

طاوع علاء الدين هذا الساحر أملاً في رخاءٍ مُحتمل فأصطدمت آماله بالهلاك الحتمي؛ فبمجرد أن أتى وقت المقايضة فيما بينهما نشب خلافًا فَرَ الرجل على إثره وترك خلفه علاء الدين يأسًا مرتعدًا لم ينهي شعوره تلك إلا مسحة واحدة على المصباح السحري التي تسببت في إخرج مارد الأمنيات.

لم يتوانى علاء الدين ونحى فزعه مما رأى جانبًا وأختار أولى أمنياته بمجرد أن سُئِل عنها والتي كانت حتمًا "الخروج من الكهف والعودة إلى المنزل"؛ وهو ما تحقق.

والآن لنفترض أن السرد السابق والسؤال السالف ذكره قد حاكا الواقع بصورة أو بأخري داخل إحدى ميادين كرة القدم فكيف لذلك أن يحدث؟ الظهير التونسي علي معلول يُجيب...

كيف بدأ كل شيء؟

تعود الرواية إلى موسم 2016/2017 حينما خطّ الظهير الأيسر"على معلول" هداف الدوري التونسي آنذاك بتوقيعه على عقود إنضمامه للنادي الأهلي.

معلول صفقة في كرة القدم؛ لذا سيبدو أمرًا منطقيًا السؤال عن العلاقة التي ربطت بينه وبين قصة علاء الدين والمصباح السحري ، ولهذا السبب دعنا نعود قليلاً للخلف لنرى كيف بدأت ملامح هذا الربط بالإتضاح.

في موسم 2014 أتخذ الظهير الأيسر للنادي الأهلي "سيد معوض" قراره الرسمي بالإعتزال يبدو الأمر إلى هنا بالطبع منطقيًا فهي سُنة الحياة؛ ولكن ما تعارض مع تلك المنطقية ولم يكن متوقعًا من الأساس أن المركز الذي تناوب عليه العديد من الأسماء المميزة بالقميص الأحمر أمثال (ياسر ريان، ربيع ياسين، وجيلبرتو ، محمد عبد الوهاب) تنتظره فترة كبيسة على إثر هذا القرار.

فقد زج تعليق معوض لحذائه بطموحات المنظومة التي لا تشبع من النجاحات داخل كهفٍ مظلم؛ فكل من لحقه كان يُشبه الساحر المُخادع السابق ذكره الذي يقوم بإيهام الجميع بأنه حلاّل العُقد الذي سيجلب الخير ويثرُو بهذا المركز سواء بإنتدابه من ناديه أو تصعيده من قطاعات الناشئين، ثم سرعًا ما يُصدم الجميع بأن هذا التوهج كان لحظي لا إستمرارية تعقبه، وأي إنتظار لما يُخلاف ذلك ما هو إلا إحكام للحصار داخل كهف الإحباط المظلم أكثر فأكثر.

لم تفك تلك العُقدة حينما أتم النادي الأهلي تعاقده مع معلول بصورة مباشرة، فقبل أن يحكم التونسي قبضته على زِمام اللعِب ويبرهن على ما يمكن تقديمه كانت الأصوات المُشككة قد تعالت.

الإختبار الذي أخفق فيه كثيرون ولم يكن معلول من بينهم

حينما يتعلق الأمر "بالمقعد الأجنبي" في قوائم الأندية فأنت أمام إختيار لن أقول أنه مطالب أن يُخرج النار من فمه أو يحلق فالسماء مثل الشخصيات الخارقة لكنه بالطبع يستوجب إحداث فارق جذري وملموس كونه إضافة لأبد أن تحمل أفضلية واضحة على أي عنصر محلي آخر في نفس مركزه وليس ليأتي حبيسًا لمقاعد البدلاء أو يحدث التأثير مرة ويختفي عشرات المرات لأن تلك الحالة تعنيَ أنك أخفقت لحد الكارثة! فخزائنك أولى بنقودك فضلاً عن تعاقد مماثل لذلك مع عنصر أجنبي.

في حالة علي معلول لم يكن التعاقد معه محملاً بضغط إحداث الفارق الجذري فحسب بل أحيط بما هو أكثر من ذلك حينما تعلق الأمر بأنه سيشغر مقعد أجنبي وسيتقاضى بالعملة الصعبة في مركز بخط الدفاع وليس أحدى مراكز الهجوم التي لطالما كانت لها أولوية الدعم الأجنبي، لذا فكان التعاقد بادئ ذي بدء مُخالف لما هو مألوف على الأقل داخل مصر.

بالإضافة إلى ذلك لقد أتى معلول للأهلي هدافا للدوري التونسي وقائد فريق الصفاقسي أي سيخرج من أسفل "منطاد النجم الأوحد" للمعافرة حتى يبزغ في منظومة لا يتوازى تفكير جماهيرها مع تقبل ثقافة الإخفاق وعدم السيادة سواء أتفقت أو أختلفت على ذلك؛ لذا ففي حالته نعم كان مطالبًا أن يخرج النار من فمه إن إستطاع!

لهذا السبب يمكن القول بأنه حتى قبل أن يصل ويطأ بأقدامه على عشب ملعب التتش كانت هناك الكثير من التحديات التي عليه خوضها، والتي زادت عنوةً بوصوله حينما أصطدم بقرارات فنية يشوبها الجدل أدت إلى جلوسه على مقاعد البدلاء لصالح العناصر المحلية وهذا ما يُقال عنه ضربة في مقتل لمنطقية التعاقد.

فكانت نتيجة ذلك بالطبع تعاليّ أصوات المطالبة برحيله والتباكي على المقعد الأجنبي والمال المهدر والبخت السيء، وردة الفعل تلك لم تكن مبالغة فالخلفية الذهنية التي تركها غيره هي من جعلت الأمر يبدو كذلك وعززت إحتمالية التكرار، لذا فإذا أخفق الظهير الأعسر في هذا الإختبار لن يكون صاحب البادرة الأولى لمن أتوا إلى القلعة الحمراء نجوم وغادروا باللعنات.

لكن؛ لأن بداخل كل شر خير فتلك الهالة الصاخبة جعلتنا بصدد الدخول في صلب حكايته حيث كانت ملائمة تماما لإظهار ما يكمن بداخله من شخصية صلبة وثقة لا غبارعليها، فلا خَلاص من إختباركهذا إلا بتلك السمات، وأبن تونس كان أهل لذلك فبمجرد أن أنقض على الفرصة نجح في أن يُعلن عن نفسه قائلاً "أنا هنا وهذا ما يمكنني تقديمه".

نسر قرطاج الدامَّي

"علي معلول مثل الترس داخل الماكينة، ضع الزيت وهو سيركض"- كولر

تمتاز النسور بمِنقار محدب لإلتهام الفرائِس ومخالب مسننة في كل قدم للإنقضاض عليها، وحدة بصر أقوى بأربع إلى ثمانٍ مرات عن معدلات الإنسان الطبيعي، سيبدو الأمر مبالغًا فيه إذا قيل أن أداء معلول داخل الميدان قد شَابه تلك السمات لكنه مجازًا يصلح تمامًا، دعنا نرى كيف.

لدى الظهير الأعسر التونسي شراسة دامَّية في خلق أو إقتحام المساحات من العدم بدهاء مُفْعم بالفاعلية، حيث يمتلك أقدام لا ترحم حينما يتخذ قراره بإرسال كرة عرضية سواء من وضع الثبات أو الحركة في توقيتات دومًا ما تكون حساسة، فإذا وقف معلول ورفع عينه ثم أتخذ قراره النهائي فلن يعقب ذلك إلا جملة دارجة واحدة "لعبها بالمسطرة"، لأنه إذا لم يلتهم منافسه فحتمًا سيُصيبه بإرباكٍ هام، فهناك إرتباط لاصيق بين تلك الوقفة وبين لحظات الحسم.

بخلاف ذلك؛ معلول لديه القدرة على تغيير مسار قرارت الفريق ككل من هجمة نمطية إلى وضعية شديدة الخطورة بتمريرة طويلة يتجلى فيها الدهاء الكروي الذي نحب أن نرأه حيث سيتوجب على زميله في الفريق إذا أهدرها ألا يلومن إلا نفسه لأنها متقنة لهذا الحد.

حجم الإنتاجية المُرتفعة التي يقدمه التونسي منذ إرتدائه القميص الأحمر حتى تلك اللحظة ليس نتاج الصدف بالطبع وإنما هو ما ينتج عن وجود لاعب في فريقك يتمتع بالوعي التكتيكي اللازم ويدرك أهمية "المسح البصري" الذي يجعله يسبق خصمه بخطوة وأحيانًا بأكثر من ذلك.

معلول يقوم بعملية المسح تلك قبل وأثناء إتخاذه للقرارات، حيث يقرأ كل رقعة داخل الميدان ويتحرك بلا توقف في كل إتجاه قد يُساهم بصورة أو بأخرى في إحداث الخلخلة المرجوة في صفوف الخصم حتى تصل له الكرة ثم يقوم بمسح آخر سريع يعقبه تمريرة أو عرضية سترى إثرها حينذاك الخطورة بأم عينك.

أنت بالطبع قد لا تشعر بحدوث ذلك وربما لا تنتبه بحجم ما يُبذل أثناء تلك العملية من الأساس وسترى فقط النتيجة تتغيير حتى أنك ستُصدم في بعض الأحيان وتتسائل مرتين كيف تواجد هنا؟ وسجل، وكيف كسر كل تلك الخطوط بتمريرة حاسمة قد تكون أتت بالتزامن مع لحظة غفوتك لثوانٍ عن المباراة.

نسر قرطاج لا يمتلك أكثر من عينان بالطبع؛ لكنه يَنعم بيقظة ذهنية بارعة قد تجعلك تشعر أنه يرى بمعدل يُشبه مجازًا معدلات النسور، فإذا شارك ظهيرًا في 271 مباراة ونجح في صناعة 79 هدفا وإحراز 53 آخرون، فهذا التشبيه إنعكاس منطقي لحجم إنتاجيته وشراسة أدءه.


تلك السطور المذكور أعلاه هي خطوط عريضة بالطبع لما قد يمتلكه معلول من قدرات هجومية، فهناك عشرات التفاصيل تنطوي خلفها والتي يصعب رصدها ولكن بالتأكيد يحبذ رؤيتها.

عشت أسبوعا صعبا بعدما أخطأت فى الهدف الذى استقبلناه أمام الوداد – علي معلول عقب نهائي دوري أبطال إفريقيا 2023


عند الحديث عن إلإضافة الهجومية التي ينجح في تقديمها التونسي، فلأبد أن يميل أي نقاش برمتهِ إلى" الكليشيه المُعتاد" بأن قدراته الهجومية تلك حتى وأن كانت مميزة فيُقابلها ضعفًا فالقدرات الدفاعية وأنا بالطبع لن أجادل في ذلك فـ معلول أقل حدة حينما يتعلق الأمر بالجوانب الدفاعية حتى أنه عندما يُخطئ تكون أخطائه مداوية في تأثيرها ومن السهل أيضًا تذكرها.

ولكن لنكن واقعيًا هناك نقطة خلاف لأبد أن يشوبها الجدالية لأن تلك الأخطاء في بعض الأحيان لا تخصه بمفرده وإنما تكون مُركبة؛ فالدفاع فالأساس منظومة كاملة والمنطقية تحتم إذا أمتلكت لاعب يؤثرهجوميًا بحجم هذا التأثير وبالأخص في مركز مثل مركزه، فيجب أن تُقدم له الحماية اللازمة من زملائه فالفريق إذا سقط سهوًا، فمعظم أخطاء معلول تتعلق بالتغطية العكسية من الأساس، كما أنه ليس من المدرسة التي تدعي الكمال الكروي بعنجهية الرفض أي أنه يدرك تمامًا حجم أخطائه ونواقصه وعلى أتم الإستعداد للإقرار بها كما أنه سعى في مرات عديدة لتلافيها.

ليست مجرد صفقة بل مصباح سحري

أفتخر كوني جزء ولو بسيط من تاريخ النادي الأهلي – علي معلول

دعنا نعود الآن لطرح السؤال الذي سبق ذكره ولكن بصيغة آخرى "هل ما حققه معلول كان ضمن أمنياتك الكروية؟" الإجابة صدقًا لأبد أن تكون لا! فحتى أشد المتفائلين لم يكن يتوقع حجم ما سيستطيع التونسي إحداثه، فهو شيئًا يُشبه الرغبات التي تنطوي تحت الأمنيات الكروية الإستثنائية التي ستهمس بها إذا إمتلكت المصباح السحري ولكنه حاكى الواقع.

فإذا أردت أن تدرك حجم التأثير وتضع نسبة لنجاح أي تعاقد من عدمه، فلا عليك إلا بطرح سؤال واحد "ماذا تتذكر للاعب بألوان قميص فريقك؟" فإذا شعرالمُشجع آنذاك بالحيرة ليس لأنه لا يذكر بل لأنه يصعب عليه الرصد فأنت أمام صفقة قد أقتربت من حد المثالية، ومعلول له مثل هذه الحيرة.

فحينما أتم الأهلي تعاقده معه كان يستهدف سد ثغرة فنية واضحة في الفريق لكنه أتى بما هو أكثر من ذلك، لقد أمتلك المارد الأحمر قائدا بلا شارة يدرك تمامًا أن القانون السائد داخل المُستطيل الأخضر يفرض على أصحاب الأقدام المُرتعشة أن يكونون أصحاب رحلة مُختصرة فكانت أقدامه في منتهى الصلادة حتى في أحلك المواقف التي قد يكون هو المُتسبب فيها!

معلول الذي لاتأمنه حتى وأن بدئ يترنج، الذي غير واجهة كؤوس، وبدل مسار مبارايات وأنتشال آنصار فريقه وزملائه وربما المنظومة بالكامل من أزقة الضيق إلى فسيح المجد بقرار فني واحد له لأبد أنه فاق كل التكهنات التي أستبشرت بقدومه، فمثل تلك الصفقات لا تأتي كل يوم.

لقد نجح معلول في أن ينساب بين ثنايا الجيل الأحمر الذهبي، وأصبح على إثر تواجده هناك هوية واضحة لمن قد يُثتناء عند الجماهير الحمراء ويُلقب بـ نجم الجيل خارج جلباب "محمد أبو تريكة"، واليوم مع مصادفة عيد ميلاده الرابع والثلاثون والذي قضى منه أكثر من 7 سنوات داخل القلعة الحمراء فقد أصبح من الممكن القول أن رحلته العاطفية تلك أصبحت على مشارف الختام، إلا أنه إذا أختار أن يُدير ظهره صباح الغد ويرحل سيترك آثر ملء السمع والبصر لا يُنسى بين عشاق الأحمر.

 

فيديو قد يعجبك:

التعليقات

مسابقة ملوك التوقعات

توقع الآن
تطبيق يلا كورة

تابع الأحــداث الرياضيــة و حــمــل التطبـيق الآن

appimg