الجمعة 21 يوليو 2023
03:36 م
في كرة القدم هناك عرفًا سائدًا بين السواد الأعظم من الجماهير بمختلف ثقافتها وخلفيتها، وهو إنكار المنافس ، التقليل منه، تضخيم اخطائه وإهمال انتصاراته والتغاضي عن انجازاته وكل هذا مقبول إذا كان حول الفنيات أو البطولات في إطار الكرة والمنافسة أما العبث بالمبادىء فهو أخطر ما يمكن أن تخلفه كرة القدم.
الأمر يتخطى فكرة الصفقات وانتقالات اللاعبين والمنافسة وينحر في ثوابت عالمية ومبادىء لا يُختلف عليها فليس هناك إنسان عاقل ينفي تمتعه بالقيم والمبادىء من أجل تشويه الآخر وفصل كرة القدم عن مظلة المبادىء والقيم من أجل المكايدة والمنافسة.
انتقال إمام عاشور للأهلي لم تكن سابقة ، صراع الأهلي والزمالك على مدار قرن من الزمان شهد انتقالات أخرى كانت تندرج تحت بند "المستحيل" ولكنها حدثت ومرت ولكن هذه المرة تم الزج بـ "المبادىء والقيم" والمتاجرة بها ليس لفرضها أو العمل بها أو الحفاظ عليها أو الدفاع عنها بل من أجل مكايدة .
والمثير للشفقة والدهشة الجهل التام بتعريف "القيم والمبادىء"الشعار الذي رفع في مواجهة منافس ، وباتت عبارة "القيم والمبادىء" يرددها من يفتقد للأدنى منها، فقط يستدعيها في مواقف لخدمة مصالح وأغراض ليست تهدف إلى التمسك والتشدق بها لذا هذه الحجة ولدت ميتة فالأصل في الأمر أن فاقد الشيء لا يعطيه ولا ينبغي أن يتحدث عنه.
في البداية فإن القيم والمبادىء ليست شىء واحدًا ، ارتباطهما ببعض ليس دليلاً على انطباقهما والفارق الجوهري أن المبادىء ثابتة لا تتغير أما القيم فهي متغيرة نتيجةَ تفاعل الإنسان مع بيئته وتغيرات الوسط المحيط ولسبب أنها تفضيلات فردية ومجتمعية فالقيم داخلية وذاتية ونسبية تختلف من شخصٍ لآخر حسب الزمان والمكان نتيجةَ لاختلاف الحاجات الإنسانية.
فقيمة المال قد تسبق قيمة التعلم عند شخص ولا تسبق عند شخص آخر ، قيمة التميز قد يعليها فرد وقد لا تكون أولوية عند آخر فهي في النهاية تفضيلات فردية لا ينبغي لأي شخص فرضها على آخر وهي متغيرة حسب الزمان والمكان والبيئة المحيطة والأصل أن يعيش الإنسان في هذه الحياة وفق قيم معينة يطبقها أو يَسعى للوصول إليها وفق تفضيلاته.
أما المبادىء فهي مجموعة القواعد والضوابط الأخلاقية والمعتقدات التي يمز به الصواب من الخطأ وهي ثابتة لا تتغير بإختلاف الحاجة والمجتمع والزمان والمكان وتتخطي فكرة الفرد والمجتمع للعالمية ، فكرة أن تكون صادقًا على سبيل المثال ليس من التفضيلات بل ينبغي أن تكون صادقًا في أي زمان ومكان وتحت أية تغيرات.
كما قال ستيفن آر كوفي مؤلف الكتاب الشهير " العادات السبع للناس الأكثر فعالية" فإن المبادئ حقيقة موضوعية تتجاوز الثقافات والأفراد فالمبدأ هو قانون طبيعي مثل الجاذبية وهناك بعض المبادئ التي تتجاوز الاختلافات الثقافية ولا تتغير بمرور الوقت ، بقدر ما تحدد الجاذبية أن شيئًا ما سوف يسقط عند سقوطه.
باختصار القيم تحفز، والأخلاق تقيد بالضرورة (لأننا نعيش في مجتمع ، لا يمكننا أن نعيش قيمنا بالطريقة التي نريدها) ، القيم ما هو مهم في حياة الشخص ، بينما تصف الأخلاق ما يعتبر أو لا يعتبر سلوكًا مناسبًا للمجتمعات بينما توجه المبادئ اختيارنا للقيود السلوكية المرغوبة.
وبالعودة إلى الأهلي ووفق التعريفات المختصرة السابقة فإن النادي الذي يعلي من الأخلاق والمبادىء والقيم لم يخترعها وهذا هو الخطأ الشائع ، الأهلي لم يخترع المبادىء والقيم بل يعمل بها ، والعمل بها لا يعني أنه لا يصدر أخطاء من عشرات الآلاف الذين انتموا له، ففي النهاية الإنسان ليس معصومًا من الخطأ، والخطأ هو قانون طبيعي والأصل في الحكم على الإنسان أو المجموعة أو الأفراد ليس الاجتزاء بل المجمل .
مبادىء الأهلي هي المبادىء العالمية التي نعرفها والتي لا بد أن يتمتع بها الجميع ، فعلي سبيل المثال شعار "الأهلي فوق الجميع" يعني "مصلحة الأهلي فوق جميع أبنائه" وهو في الأساس مبدأ إنساني وديني يعني أن مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد فاﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ دائمًا مقدمة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ .
وإذا كانت المبادىء والقيم ليست من اختراع الأهلي بل إن الأولى عالمية وثابتة والثانية تفضيلاته فإن النادي يملك أعرافًا وتقاليدًا خاصة به ، فالعرف هو طريقة مقبولة بشكل عام للتصرف أو القيام بشيء ما في مجتمع أو مكان أو وقت معين بينما التقاليد هو نقل العادات أو المعتقدات من جيل إلى جيل.
وفي كل الأحوال ، قيم الأهلي هي تفضيلاته ووجهة نظره واختياره ،وعاداته وتقاليده هي خاصة به ورثها وتناقلها جيل عن جيل هي طريقته في التصرف والنظر إلى الأشياء وكلها لا يجب أن يفرضها على غير المنتمين له - ولا هو يسعى لذلك - فالأمر هو داخلي يحكم كل من تحيط به جدران النادي.
ومن هنا يأتي مبدأ العدالة في الحكم على رأس ما أظهره الأهلي مؤخرًا ثم قيمة التسامح ، فالأهليك ان عادًلا لم يطبق ماهو داخل جدرانه على من هم في الخارج ، لأنه من الظلم أن يعاقب إنسانًا تربى في مكان وما ووسط بيئة معينة ووسط معين وفق قواعد ومبادىء وقيم مكان آخر ، أما التسامح فهو مبدأ أخلاقي وقيمة إنسانية عظيمة لأن شر الناس من لم يقل العثرات ولا يستر الزلات ولم يقبل معذرة ولم يغفر ذنبًا وكما قال الله تعالى ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ).
في النهاية لن يرضى منافسو الأهلي عنه ولن يعترفوا بكونه ناديًا يعلي من المبادىء والقيم سواء الآن أو في الماضي أو في المستقبل ومها فعل لن يتزع اعترافًا بعشرات المواقف والقرارات التربوية التي اتخذها ، ليبقي 3 أسئلة مفتوحة هي: أين هي مبادىء الآخرين؟ وما هي قيمهم ؟ ولماذا لا يدافعون عنها لإرسائها؟