الأربعاء 20 فبراير 2019
01:51 م
لا شك أن الشعب الياباني يعد من أكثر شعوب العالم تنظيمًا مما يضعه في مراتب متقدمة بين أمم العالم بكافة المجالات، لكن ماذا لو تسبب شخصًا ما في إثارة قلقهم بسبب تنظيمه لأدق وأصغر التفاصيل؟
"عند دخول منتخبنا إلى المطعم كان أشبه بالجيش العسكري، الجهاز الفني أولًا ثم اللاعبون، كلًا يعرف طاولته ومقعده سلفًا"، هكذا تحدث الأمير علي بن الحسين رئيس اتحاد الكرة الأردني عن منتخب بلاده في أمم آسيا 2004.
حديث بن الحسين جاء ليروي تفاصيل واقعة حدثت قبل مباراة دور الثمانية بين الأردن واليابان، ليكمل قائلًا: "رئيس الاتحاد الياباني كان يجلس معي وقتها، وقال لي هذا النظام فقط سيجعلني قلقًا من مواجهتكم".
تنظيم أدق التفاصيل كان بمثابة هواية للراحل محمود الجوهري، الذي عمل كمديرًا فنيًا لمنتخب الأردن في البطولة الآسيوية 2004، بل وأنه صنع اسمًا للنشامى على الساحة الآسيوية منذ هذا الحين وحتى الآن.
اليوم، 20 فبراير يصادف ذكرى ميلاد المدرب المصري الذي ولد عام 1938 ليشهد على محطات عدة، كان بطلًا فيها مع منتخبات مصر والأردن، وكذلك ناديي الأهلي والزمالك.
لم يكن لقب "الجنرال" الذي أطلق على الجوهري من فراغ، فتنظيمه للأمور داخل الملعب وداخله هو العامل الأبرز لكُنيته، حتى وإن وجهت أصابع الإتهام الدفاعية نحوه في بعض الأحيان، أو أكثرها.
ألا تشاهد منتخب بلادك في كأس العالم نهائيًا يعد أمرًا صعبًا لأي مشجع، حتى وإن كان سبق له التأهل من قبل، لكن هذا التواجد كان قبل 56 عامًا، بمعنى أن أجيال كاملة لم تشاهد واكتفت بالسماع عنه.
لذلك فإن تأهل مصر إلى كأس العالم 1990 يعد هو المحطة الأبرز في تاريخ الجوهري مع الفراعنة، والعكس أيضًا، فأخيرًا ظهر الفراعنة بالمونديال خلال العصر الحديث.
محطة المونديال كانت الثانية للجوهري وليست أولهم، فكانت نتاج لما بدأ في صناعته داخل البيت الذي ترعرع به، بعدما نجح في قيادة النادي الأهلي لتحقيق اللقب الأفريقي الأول له في بطولة الأندية الأبطال عام 1982.
لم يكن الأهلي قد وصل إلى نهائي البطولة الأفريقية من قبل، ليشهد عام 82 تحت قيادة الجوهري التواجد الأول بالدور الختامي أمام العملاق الغاني آنذاك، أشانتي كوتوكو.
لكن الجنرال نجح في السيطرة على عملاق غانا بنجاح بعدما قاد الأهلي للفوز في الذهاب بالقاهرة بثلاثة أهداف نظيفة، قبل أن يتعادل في العودة بهدف لكل فريق، ليصبح للتاج الأفريقي موقعًا في القلعة الحمراء.
الزمالك أيضًا كان له نصيبًا من محطات الجوهري، فبعدما تولى قيادته عام 1993، نجح في الفوز معه بثالث بطولاته الأفريقية، عندما حصد البطولة الأفريقية للأندية الأبطال من جديد.
وكأنه أصبح ضحيته المفضلة، فبعد 10 سنوات كاملة، ظهر كوتوكو في منافسة جديدة مع الجوهري، ولكن هذه المرة كان المنافس هو الزمالك وليس الأهلي، إلا أن النتيجة في النهاية كانت متشابهة.
الزمالك تفوق على كوتوكو بركلات الترجيح في نهائي بطولة 93، ليحصد ثالث ألقابه بعد عامي 1984 و1986، قبل أن يفوز بكأس السوبر الأفريقي في عام 1994 بعدما تفوق على الأهلي بهدف نظيف في جنوب أفريقيا.
تتويج الجوهري بالأميرة الأفريقية مع فريقين مختلفين، الأهلي والزمالك يعد إنجازًا لم يحققه سوى الأرجنتيني أوسكار فولون مدرب أسيك الإيفواري والرجاء المغربي، ولم يظهر بعد من نجح في معادلته.
وكأن طريقه إلى المنتخب لا يُرسم سوى عن طريق إنجازات الأندية، فعاد الجوهري لتدريب منتخب مصر من جديد عام 1997، بعد غياب عن التتويج بكأس أمم أفريقيا دام 11 عامًا منذ آخر مرة نٌظمت المسابقة في القاهرة.
ولم يحتاج الجوهري سوى عدة شهور ليتوج مع مصر بالبطولة الأفريقية 1998 على الأراضي البوركينية، بعدما تفوق على حامل اللقب، جنوب أفريقيا، في المباراة النهائية بهدفين نظيفين.
إلا أن التوفيق لم يحالفه في إعادة ظهور مصر بكأس العالم 2002 بعدما حسمت السنغال التأهل لصالحها، لتبدأ المرحلة الخامسة الأبرز في حياة الجوهري التدريبية بتوليه مهمة الإشراف على الكرة الأردنية.
النشامى لم يسبق لهم التأهل من قبل إلى كأس أمم آسيا، إلا أن الجنرال كان له مفعول السحر بفضل الخطة التي وضعها للنهوض بالكرة الأردنية، والتي ما زالت ثمارها تُطرح حتى الآن.
لم يكن التأهل الأول للأردن في بطولة 2004 مقتصرًا على التمثيل المشرف، بل أن الفريق تمكن من التأهل لدور الثمانية متفوقًا على الكويت والإمارات، وخلف كوريا الجنوبية، بدون خسارة أي مباراة.
مسيرة الأردن كادت أن تستمر بمفاجأة أمام العملاق الآسيوي، اليابان، إلا أن ركلات الترجيح أنهت مسيرة النشامى الأولى آسيويًا، ليكمل منافسه المشوار حتى يتوج باللقب في النهاية.
ومنذ ذلك الحين، وباستثناء عام 2007، يظل المنتخب الأردني متواجدًا بصورة مستميرة في كأس الأمم الأسيوية دون تسجيل أي حالات تخلف، لكنه ما زال يبحث عن التواجد بين الأربعة الكبار للمرة الأولى.