الأب
كان حمادة إمام في المنزل "ضابط جيش"؛ لا يسهر خارج المنزل، طعام الأسرة بمواعيد مقدسة، حتى أن فسحة أولاده تكون في يومي الخميس والجمعة وعند الأقارب، لكن رغم انضباطه الشديد، لم يتخذ في يوم قرارًا رغمًا عن زوجته أو أولاده.
منذ البداية، لم يختر لحازم لعب الكرة، ترك الأمر بيده، حتى أن صاحب الـ13 عامًا تغيب عن الزمالك لفترة، بسبب ضيقه من ترديد البعض لنغمة توسط حمادة لابنه، فما كان من الأب إلا أن نصح صغيره بالتخلي عن تلك الأفكار، دون أن يجبره على قرار بعينه.
رغم هذا، لم يتخل حمادة عن دور الأب، في توجيه صغاره لما هو أصلح. لم يكن حازم أكمل سن الرشد، عندما أتى لناديه الصيد عرض من المقاولون العرب، ليتحمس حازم في إخبار والده بإعجاب مسؤولي النادي بأدائه، متوقعًا الصغير أن تأتيه تهنئة وفرحة من الثعلب، غير أن حمادة "قالي: أنت عبيط يا بني.. أنا سايبك تهزر.. لكن لو هتلعب كرة بجد يبقى تروح الزمالك"، سكت حازم لثوانٍ قبل أن يرد: الزمالك أكبر من مستواي، لكن الأب "كان شايف حاجة أنا مش شايفها".
إعلان
إعلان
تألق الابن مع الزمالك، فيما لم تتوقف نصائح حمادة له، كان مستشاره الأول في الكرة، يرشده إلى تقليل احتفاظه بها داخل الملعب، ويُشجعه إذا أخفق في أي مباراة، ويفند له ما يأتيه من عروض احتراف في الخارج، وكانت عودة حازم من إيطاليا بإيعاز من حمادة، الذي نصحه بالعودة إلى الزمالك والإسهام في فوزه بالدوري العام، وكان رأي حمادة أن يؤجل حازم مباراة اعتزاله، لكن الابن كان قراره نهائيًا.
كأي أب، لا يغفل حمادة أي ميزة يُقدمها لابنه، والأهم أنه لا يفوت فرصة يُقوِّم بها اعوجاجًا قد يُصيب عقله الصغير. كان حازم عمره 19 عامًا، عندما أتاه عرض للاحتراف في أوروبا، عقد اللاعب مع الزمالك انتهى والفرصة كبيرة لا تعوض، لكن حمادة- الذي شغل منصب وكيل النادي في حينها- يرفض أن يُغادر ابنه النادي دون أن يفيده ماديًا، "قالي: أنت ابن حمادة إمام، يعني إيه تمشي والزمالك ميخدش منك فلوس؟"، لكن حازم لا يعبأ بكل هذا، شاب صغير، عُلق بحلم السفر، لذا كانت تلك الفترة عصيبة على اللاعب، الذي ارتكب خطأً لا يُغتفر في نظر والده.
حينما اعتزل حمادة الكرة، كان سن أشرف 4 سنوات، لذا لم يكن يُدرك سببًا للاهتمام بوالده، فيما وعي ذلك من التقائه بالناس في الشارع، مبارياته الـمُعادة وأهدافه الـمـُسجلة، ترديد الإعلام لاسمه، وكلمات أصدقائه عنه. لا يتذكر حازم أن يكون والده قد تباهى يومًا بما حققه من نجاحات.
لكن احتفاء الجماهير بحمادة، كان سببًا لأن يتعرض ابنه حازم لموقف طريف، يُعيده اللواء عبدالجابر ضاحكًا. كان حازم عمره وقتها 5 سنوات، عندما انقضت الجماهير على حمادة، الذي طلب من عبدالجابر الاعتناء بالصغير، لينشغل الثعلب لأكثر من ساعتين وسط الجمهور، ويزداد بكاء حازم وسؤاله عن أبيه، فيضطر عبدالجابر إلى البحث عن حمادة، ويكتشف أنه غادر النادي ناسيًا حازم، قبل أن يطلبه على هاتف المنزل، ويرد حمادة: "حازم! يا خبر!"، فيجيبه اللواء: "حد ينسى ابنه يا حمادة".
بينما تجمعات الأسرة، لم تكن تخلى من مشاكسات بين حمادة وولده، يداعبه حازم بقوله: "أنا أحرف منك، زمان كنتوا بتهاجموا 5 على 2 مدافعين، أكيد هتجيب إجوان كتير"، فيرد الأب: "يا بني إنتوا عندكوا فكرة، زمان كانت المهارات كتير، دلوقتي تلاقي مهاري كل 20 سنة"، لكن ماجي الحلواني "كأم بميل لإنتاجي، فأقولهم حازم أحرف"، ليعم الضحك مجلس العائلة.
الزوج
اجتمعا على حب الزمالك، حمادة هداف النادي، وماجي تعشق الأبيض، تحضر مبارياته من مدرجات الدرجة الثالثة، وتتعلق بنجمه كأي مشجع عادي، قبل أن يتكون داخل الفتاة إحساس مغاير، أُعجبت به، وباتت تحفظ صوره المنشورة في الصحف والمجلات بكشاكيلها المدرسية.
سهل لقاءهما، شقيقة اللاعب، والتي زاملت ماجي في المدرسة، من هنا بدأت حكاية الحب، الذي استمر حتى قرر حمادة خطبتها، وماجي في السنة النهائية بكلية الإعلام.
في البداية، لم يوافق والد ماجي الحلواني على طلب حمادة، كان يُريد لابنته أن تحصل على درجة الماجستير والدكتوراه، رأى الأب أن الزواج ربما يُعطلها عن ذلك، لكن اقتناع ماجي بعدم تعارض الزواج مع الدراسة، ورغبتها الـمُلحة في العيش مع حمادة، دفع والدها نحو الموافقة، التي جاءت على مضض في البداية، ليتزوج الشابان في النهاية، وتستكمل ماجي درجة الدكتوراه في فرنسا.
في تلك الفترة، كان حمادة في عز تألقه مع الكرة، بالمنزل تُعد ماجي طعامه وفقًا لنظام غذائي صارم، وفي الجيش يمارس واجباته العسكرية، وعلى أرض الملعب يؤدي مرانه بتركيز شديد، كان المران في أيام السبت والاثنين والأربعاء، ليصحبها معه أحد يومي الجمعة أو السبت إلى ملعب المباراة، لكن يُجلسها في المقصورة لا الدرجة الثالثة كما اعتادت.
كان الزمالك يُلاقي وست هام، عندما حضرت ماجي المباراة بصحبة شقيقها وأصدقائها، ليُسجل حمادة ثلاثة أهداف، من أصل خمسة فاز بها الزمالك على الفريق الإنجليزي ليلتها، بعد كل هدف يتجه حمادة نحو المدرجات، يُشير إلى زوجته، التي اتخذت مكانها بجانب مشجعي الزمالك، كأنه يشكرها، بينما تملؤها السعادة.
إعلان
إعلان
كان حمادة له كثير المعجبين والمعجبات، لكن تفهم الزوجة لذلك، وإحساسها بالفخر تجاهه، لم يمنع أن تزورها الغيرة ولو لمرة، في العشرينيات، العمر الجميل كما تصفه ماجي، عندما كانت تُعبر إحداهن عن حبها لحمادة، الذي كان مهذبًا لا يحرج أحدًا بلسان الزوجة، فما يكون من ماجي إلا أن تُعبر عن عدم استلطافها للمكان، ليغادروه إلى آخر.
كان حمادة ونعم الزوج، كما تعبر ماجي، لا تتذكر أنه كان قاسيًا يومًا ما، على العكس كان زوجًا حنونًا، متفهمًا لها، ولعملها، وطموحاتها، تفخر أنها تزوجته، وعاشت حياتها معه، بينما تتذكر لحظات وفاته وهي تبكي، تعبر عن افتقادها له، فيما عزاؤها في وجود ابنيها، أشرف وحازم، "بسمة الحياة" وما تبقى منها.
الضابط
فضل يحي إمام أن يلتحق ابنه بالحياة العسكرية، فوجهه إلى الكلية الفنية العسكرية لا الحربية كما أراد الثعلب، هنا واجه حمادة صعوبات في ممارسة كرة القدم، فالكلية الفنية تحتاج مجهودًا كبيرًا لا ينفع معه شيء آخر، ليُخيره الوالد في العام التالي بين لعب الكرة أو استكمال حياة الجيش، اختار الابن الأولى دون التخلي عن الثانية، لذا انتقل إلى الكلية الحربية، وكان ضمن مستجدي الدفعة "44 حربية".
طوال فترة دراسته بالكلية الحربية، لم يترك حمادة كرة القدم، يقضي مهامه داخل الجيش، وينتهز إجازته في التدرب مع الزمالك، كان منضبطًا كالحياة العسكرية، ملتزمًا داخل الملعب، موهوبًا يفعل بالكرة ما يحلو له، لذا اُختير وهو صغير ضمن فريق الكلية الحربية، ومنه أساسيًا داخل المنتخبات العسكرية.
كان حمادة لا يزال طالبًا في الكلية الحربية، عندما أحز هدفًا مع الزمالك في مرمى توتنهام الإنجليزي. في اليوم التالي، جمع قائد الكلية الحربية طلابه، في انضباط وقف الجمع، لينطق الفريق محمد فوزي الاسم: "محمد يحيى الحرية إمام"، خوف سار في أوصال الثعلب، قبل أن يتفاجأ بإشادة تخص تألقه في المباراة، وترقيته إلى رتبة "أومباشا" أمام كل زملائه، تذكر اللواء عبدالجابر، الذي كان مشرفًا عليه في الجيش، تلك الحكاية وهو يترحم عليه.
إعلان
إعلان
حينما تخرج حمادة في الكلية الحربية، سافر في بعثة للجزائر رفقة الضابط محمد حسين طنطاوي، لتحكي ماجي موقفًا كادت به تُعرضه لمشكلة كبيرة. كان حمادة وماجي في أسابيع الزواج الأولى، عندما قررت الزوجة مفاجأته، والسفر إلى مكان إقامته، دون أن تُعلمه، لكن بمجرد أن قابلت حمادة، أحست بالمشكلة، ما فعلته من الممنوعات، تصف- أثناء الحديث- مفاجأتها له بـ"الجيدة والسيئة"، التي كادت تسبب له أذىً كبيرًا، لولا ثقة طنطاوي في التزام ضابطه وحسن نية زوجته، ليمرر طنطاوي الأمر في النهاية بسلام، قبل أن يسمح لزوجات باقي زملائه بالتواجد مع أزواجهم.
واصل حمادة الجمع بين لعب الكرة وأداء مهامه في الجيش، إلى أن حلت نكسة العام 1967، لتترك أثرًا في نفس حمادة مثل باقي زملائه في الجيش، حزن بشدة، كانت روحه جزءًا من نسيج القوات المسلحة، لذا كانت هزيمتها إخفاقًا لروحه، في هذا الوقت شد عبدالجابر من أزر الضابط، رفع من روحه المعنوية، ليعود إلى عمله في الجيش، خدم في سلاح المخابرات الحربية في عام الحرب، ليتحقق الانتصار على العدو، ويعود النشاط بعد حرب أكتوبر، فيما يعتزل حمادة الكرة بالعام 1974، كانت سنواته في الجيش أطول من التي قضاها في الملعب، ليتقاعد عن الخدمة في العام 1980 حاملًا رتبة عميد.
اللاعب
حمادة لم يكن من عاشقي تمارين اللياقة البدنية، لكنه بوصف محمود أبورجيلة "مزيكاتي، فنان، يلاعب الكرة بكل أصابع قدمه اليمنى واليسرى داخل منطقة الـ18"، لا يعرف زميله في الزمالك "كيف كان يمتص الكرة ويتصرف بها بهذا الشكل؟".
كان حمادة إمام موهوبًا بإجماع زملائه، لكن عمله في الجيش يمنعه من حضور كل التمارين مع الزمالك، فيحضر قبل يوم من المباراة، يرتدي ملابس الكرة، أحيانًا يقف أسفل المقصورة، وفي يده قطعة من الشوكولاتة، وما إن يظهر المدير الفني، حتى يدخل الثعلب الملعب، ويجري مع اللاعبين في المران، كأنه بصحبتهم منذ أيام.
لكن البدايات لها نكهتها الخاصة. كان حمادة يدرس الثانوية العامة في غزة، عندما كان والده اللواء يحي إمام مسؤول القطاع التابع لمصر في وقتها، ليبعث وزير الدفاع المشير عبدالحكيم عامر بطلب إلى الوالد للسماح لحمادة بالعودة إلى مصر، والمشاركة مع الزمالك أمام الأهلي في نهائي كأس مصر تحت 20 عامًا، وهو ما حدث بالفعل، يومها سجل حمادة خمسة أهداف، في المباراة التي تزامنت مع زيارة ملك المغرب محمد الخامس لمصر، ليُلقب ليلتها بـ"حمادة الخامس".
إعلان
إعلان
تلك المباراة، أكسبت حمادة شهرة كبيرة، ليلعب مع الفريق الأول من وقتها، فيما كانت دقائق مباراته الأولى غير موفقة، لم يلمس الكرة، حتى أن ماجي الحلواني سمعت الجماهير من المدرجات تسأل "فين حمادة اللي بيقولوا عليه ده؟"، إلى أن أحرز الثعلب هدفًا في اللحظات الأخير، ليصبح من لحظتها أساسيًا مع الزمالك، وتُغنى له المدرجات: "بص شوف حمادة بيعمل إيه؟".
لم تكن الخماسية في مرمى الأهلي وهو يلعب لفريق الشباب، أكبر معدلات حمادة التهديفية، أحرز 18 هدفًا من أصل 24 سجلها الزمالك في مباراة واحدة، لكنه لم يذكر اسم النادي الذي استقبل كل تلك الأهداف، وبالمثل فعلت زوجته ماجي وهي تُعيد الحكاية بعد وفاته.
إعلان
إعلان
كان ثعلبًا، لإحرازه أهدافًا غير محسوسة، كما يقول أبورجيلة، الذي يتذكر خفة ظله داخل الملعب، في بعض الأحيان يشغل المدافع بسؤاله عن أحواله وصحة والده ووالدته، حتى يخطف للزمالك هدفًا في مرمى منافسه، وكان مدافع نادي الاتحاد، "بوبو"، أشهر من لُدغ بخطته خفيفة الظل، لكن ظلت علاقة الصداقة بينهما متينة، حتى أن لاعب الاتحاد هو من حمل حمادة على كتفه ليلة اعتزاله، التي شارك فيها أبرز نجوم الكرة المصرية.
لكن خفة ظله، كانت سببًا في حصوله على البطاقة الصفراء الوحيدة طيلة تاريخه، حينما طالب مُدافع الخصم بترك الكرة، على اعتباره زميلًا له في الفريق، لكن ما إن نفذ المدافع طلبه، حتى أشهر حكم اللقاء إنذارًا لحمادة.
إعلان
إعلان
خفة ظله، امتدت أيضًا إلى أحاديثه مع عادل هيكل، حارس الأهلي الأسبق. كان غاليًا أن يسجل حمادة هدفًا في عرين هيكل، لذا في كل جلسة لهما يُداعبه، يُذكره بنجاحه في اختراق مرماه، فيأتيه رد هيكل: "تم تعيينك وكيلاً لنادي الزمالك لأنك سجلت هدفًا في مرماي، لو كنت سجلت هدفين لأصبحت رئيسًا للزمالك"، كانت علاقة الصداقة بين لاعب الزمالك وحارس الأهلي تغلُب كل شيء، يقول هيكل إن حمادة كان اللاعب الوحيد في الزمالك "الذي أقبل بمزاحه معي، لم يكن أبدًا منافسًا لي، كان أخًا".
ولم تقتصر "ثعلبته"، بتعبير الناقد نجيب المستكاوي، على البطولات المحلية، بل برزت أيضًا في المباريات العالمية التي خاضها مع الزمالك، فلا يزال محمود أبورجيلة يتذكر هدفه الرائع في مرمى ريال مدريد، وهدفه في توتنهام حينما خطف الكرة في اللحظات الأخيرة من أمام حارس المرمى، لكن حازم لا يعي أنه شاهد والده في عز تألقه بالملعب، فقد اطلع على أهدافه بواسطة شرائط فيديو مصورة، فيما يتذكر جيدًا إحاطة جماهير الزمالك لسيارة الثعلب، والغناء له.
الصديق
يصف زميل الزمالك محمود أبورجيلة حمادة بالشخص النقي. ويشهد له صديق العسكرية اللواء عبدالجابر بهدوئه وحسن أخلاقه. لكن يعجب حارس الأهلي عادل هيكل بامتناعه طيلة حياته عن الخوض في سيرة شخص يغيب عن مجلسه.
قرابة 50 عامًا، هو عمر صداقتهما، لم يرَ عبدالجابر من حمادة ما يعيبه، أو حتى يُسبب بينهما ضيقًا. كان "ونعم الأخ". كريمًا، لا يكف عن العزائم. دائم البعد عن الخلاف، درجة "طلبه بأن يتولى شخص آخر مسؤولية الأمور المادية، عندما يُرسله الاتحاد المصري لكرة القدم مبعوثًا للمنتخب".
في إحدى رحلات الأصدقاء بالإسكندرية، تعرف حمادة على ماجي الحلواني، أُعجب بها، ليُخبر أبورجيلة بنيته، ويذهب إلى هيكل ويطلب منه الوساطة في الزواج منها، كونه صديقًا لعائلتها، فيُرحب حارس الأهلي، الذي سألته العروس عن سلوك حمادة، ليخبرها بحسن خلقه ونسبه، قبل أن يذهب هيكل رفقة حمادة يوم خطبتها.
إعلان
إعلان
بدأت علاقة الصداقة بين حمادة وهيكل، في أحد معسكرات المنتخب المصري، عندما قرر الجهاز الفني أن يجمع لاعبين من صفات مغايرة في غرفة واحدة، فاختار المدرب أن ينام هيكل في غرفة حمادة باعتباره شخصًا هادئًا، لكن أخذ الحديث اللاعبان، سهرا لساعات، كأنهما أرادا توطيد علاقتهما التي استمرت لأكثر من ربع القرن في تلك الليلة.
منذ البداية، كون لاعب الزمالك وحارس الأهلي شلة، باتا صديقين حميمين، لكن أيضًا لم تغب المناكفات عن علاقتهما، يُحدثه حمادة عن أهدافه التي أحرزها في مرماه، ويرد هيكل بأنه حارس البطولات الأول، لتبقى جلستهما في كل يوم جمعة بنادي الجزيرة الرياضي طقسًا مُقدسًا ومحببًا لكليهما، والتي لم يوقفها غير موت حمادة.
وفاة حمادة، كانت صادمة لأصدقائه، يقول هيكل عن ذلك: "هناك ثلاثة أشخاص بكيت حينما توفوا: (أخي، وصالح سليم، وحمادة إمام).. حينما أقول ذلك، يستهتر البعض، ويقولون: أتبكي لأجل زملائك؟ أجدهم سخفاء، ودون إرادتي أجد دموعي تنهمر؛ ببساطة هناك شخص كنت تحب الجلوس معه واختفى".
المعلق
"هوبا"، "القادمون من الخلف"، "يا ولد يا ولد يا ولد" و"هاتها من الشبكة".. طوال مسيرته في التعليق عُرف حمادة بلزماته اللفظية، التي حُفظت عنه وارتبطت باسمه حتى بعد وفاته.
في العام 1974، لعب حمادة إمام مباراة اعتزاله، بمشاركة قدامى الأهلي والزمالك، لينهي الثعلب عقده مع الكرة كلاعب، فيما يوقع معها عقدًا جديدًا، ويراوضها تلك المرة من على كرسي التعليق.
بعد أن أنهى حمادة مسيرته الكروية، عُرض عليه خوض التعليق على المباريات، تحدٍ جديد بالنسبة للثعلب، فيقبله بعد أن استشار ماجي والأقربين، ويتدرب في مبنى الإذاعة والتلفزيون على يد "شيخ المُعلقين محمد لطيف"، ليُحقق حمادة نجاحًا كبيرًا في هذا المجال، فيما لم يكن نجاحه هذا وليدًا للصدفة، أو اعتمادًا على نجاح كبير حققه كلاعب، أو حتى ارتكانًا إلى حب الجمهور له، بل كان وليدًا لموهبة كبيرة واجتهاد.
قبل أي مباراة، يُحضر حمادة دستة من الأوراق، ليُسجل فيها، بخط منسق، يستخدم لأجله أقلام الحبر الملونة، كل ما يتعلق بها من أرقام. رجل مُحب للرسم، لا يفوت أي صغيرة أو كبيرة. معلومات يحصل عليها من البحث على الإنترنت. وكان لحاقه بالتكنولوجيا، كما يقول ابنه أشرف، هو ما يميزه عمن هم من أبناء جيله. لذا لم يكن غريبًا أن تجمع الأسرة بعد وفاته عشرات الملفات، التي تمتلئ بمئات التفاصيل عن عشرات الأندية المصرية والعربية والأجنبية، كنزًا محفوظًا بوصف الزوجة.
إعلان
إعلان
رغم ذلك، لم يكف حمادة عن الاهتمام بسماع الآراء حول تعليقاته على المباريات. يسأل أصدقاءه عن أدائه على الدوام. يُهاتفه أشرف بين شوطي المباراة لإبداء الملاحظات. حمادة لم يتخلف لمرة واحدة، عن سماع تعقيبات زوجته ماجي الحلواني عقب كل مباراة، وكانت هي ناقدة صريحة له أقوله "خد بالك من النقطة دي.. فات عليك كذا.. "، وكان يستقبل نصائحها بصدر رحب.
أيضًا تخللت مسيرته في التعليق مواقف ضاحكة، لم ينسها حمادة رغم مرور السنوات. أحدهم حكاه لابنه أشرف في إحدى جلساتهم. كانت المباراة لمصر وساحل العاج ببطولة إفريقيا 1986، حينما سجل جمال عبدالحميد هدفًا فارقًا في مسار البطولة، جعلت حمادة يُعلق بكلمات فرِحة، دفعت مُشجعًا للقفز عليه من فرط الحماس، ليُصاب الثعلب، الذي أزاح الـمُشجع بعيدًا وأكمل مباراة التعليق.
لا يزال يلتصق بذهن حازم، سلوك الـمُعلق تجاهه في الأمم الإفريقية عام 1996. في تلك البطولة، حقق الثعلب الصغير مستويات جيدة، ليصل إلى حمادة "أن الفائز بجائزة أفضل لاعب في أكثر من مباراة هو صاحب الرقم 14"، كان ذلك يُسعد الـمُعلق رغم عدم إظهاره لذلك أثناء التعليق، لكن في المساء كان يجتمع بابنه حازم و"كنت أشوف في عينه إنه مبسوط بيا، متفاجئ بمستوايّ"، كان أبًا حنونًا كما يصفه حازم إمام.
لكن في عمله كان جدًا صارمًا، لدرجة أنه يحسب لكل كلمة يأتي فيها ذكر حازم أثناء التعليق. كان حمادة يشعر بحساسية تجاه ابنه، ويخشى أن تُتهم كلماته بالتحيز له، حتى أن حازم كان يُفضل أن يوكل لغير والده التعليق على مبارياته، لكن هذا يُغضب أمه ماجي، التي طلبت من حمادة إعطاء الابن حقه من الاحتفاء، ليُطلق الـمُعلق في المباراة التالية كلماته الشهيرة: "ابن مين في مصر ده؟".
الوفاة
أواخر العام 2015، أُصيب حمادة إمام بالتهاب رئوي، لتتصل زوجته ماجي الحلواني بطبيبه في مستشفى المعادي العسكري، الذي طالبها بإحضاره في الحال، وبعد الكشف عليه، أُقر حجزه، وُضع على جهاز التنفس الصناعي، قبل أن يدخل غرفة الإنعاش، لكن بمجرد أن استقرت حالته، طالب زوجته أن تنقله إلى المنزل، رفضت ماجي، التي نصحته بالصبر حتى يُقر الطبيب له ذلك، ليضيق الثعلب بنصيحتها تلك.
كان يوم أربعاء، عندما قررت ماجي أن تذهب إلى عملها في الكلية، ليصلها مكالمة من حمادة يُخبرها باستعداده للعودة إلى المنزل، على مضض وافق الطبيب على رغبة المريض الـمُلحة، لكن في الليلة التي تلت خروجه من المستشفى، "قعد يطبطب على إيدي ويقولي بشكرك أوي، أقوله على إيه يا بني تشكرني، ده واجبي"، ليُعيد الكرة في الليلة التالية: "بشكرك يا جيجي، وأنا بحبك أوي.. قولتله وأنا كمان بحبك يا حمادة، بس إيه المناسبة عشان تقولي كده"، لم تحس ماجي لحظتها أن كلماته للوداع.
بدأ السبت 9 يناير عاديًا، حمادة بحالة مستقرة، لذا توجهت ماجي إلى عملها في الكلية، ووعدته بألا تغيب عنه أكثر من ساعة، ومن مكتبها بالكلية تطمئن عليه من حينٍ لآخر، بينما هو في المنزل ينتظرها حتى يتناول غداءه رفقتها، حتى أن الثعلب تواصل مع أحفاده عن طريق مكالمة فيديو، قبل دقائق فقط من دخول ماجي الشقة، لتجد حمادة نائمًا على الكنبة، فترمي حقيبتها، وتسرع إليه مفزوعة، فيما لا تستقبل منه أي فعل، جنت الزوجة لحظتها، خرجت من باب الشقة تُنادي على زوجات ولديها، طلبت الإسعاف، واتصلت على أولادها، وما إن حضرت عربة الإسعاف، حتى أخبروها بوفاة الثعلب.
إعلان
إعلان
يصف صديقه عادل هيكل موت حمادة بـ"رصاصة أصابتني". ويبكي اللواء عبدالجابر ندمًا، عندما يتذكر مكالمة حمادة له، قبل أربعة أيام من وفاته، ليطمئن على صحته. كان عبدالجابر ينوي زيارة صديقه، لكن لم يمهله القدر فرصة أخرى، مات حمادة "نسمة كما كان في حياته".
كانت جنازة حمادة مهيبة، حضر عزاءه فرقٌ كاملة بمدربيها، وكان منهم لاعبون ونجوم كبار، لم يكن يضمر شرًا لأحد، لذا حضر الجميع عزاء لاعب الزمالك، لدرجة إصرار طارق سليم، وهو واحد من رموز الأهلي، على تقديم العزاء من على كرسي متحرك، بينما شاهد عبدالجابر يوم تأبينه أشخاصًا "عاديين"، عشرات حضروا من كل مكان، من الإسكندرية والصعيد.