الإثنين 20 مارس 2017
11:35 م
الأحداث تمر على الجميع بصورة واحدة وألوان متشابهة، قليلون فقط يملكون القدرة على إيقافها وتقطيعها لأجزاء صغيرة في فترة قصيرة، وإعادة قرائتها في محاولة لفهم أعمق وأدق، بدلاً من الاكتفاء بمجرد مشاهدة عابرة، "لحظة قراءة" هي محاولة لتطبيق هذه النظرية في الملعب.
تناسخ روحي
هذه الفكرة محل صراع فلسفي ديني وتتلخص في أن البعض يدعي بأن الروح تعود إلى الحياة كلها أو جزء منها في أجساد أشخاص أخرون، فتجدهم يتصرفون بنفس طريقة الأجساد التي حويت روحهم سابقاً، وعلمياً هناك بعض التفاسير بأن ظن الشخص أحياناً بتكرار أحداث يومه أو حياته يعود إلى أن روحه عاشت نفس التفاصيل من قبل في جسد أخر.
لماذا نستدعي هذه النظرية في صفحة رياضة؟ لأن هناك أشخاص دخلوا إلى كرة القدم نادوا بالفكر والفلسفة والخروج من حدود المستطيل الأخضر إلى المدى الأبعد، وربما نحن محظوظين بمعايشة أحدهم الآن.
بيب جوارديولا أحد الأشخاص الذين يمكن أن يتم إثبات نظرية التناسخ الروحي عليهم، لأنه عندما قرر المدرب الكتالوني استخدام فكر وفلسفة معينة لم يكن يعرف أن هناك شخص طبق بالفعل ما قضى هو أيام كثيرة لاختراعه حتى كاد عقله ينفجر، هذا الشخص هو هوجو ميسيل مدرب النمسا في القرن الماضي.
اختراع؟
ميتزلدر مدافع ريال مدريد قال بعد مواجهة اختراع جوارديولا في 2009 المتمثل في ميسي :" لقد كنت أنظر أنا وكانافارو إلى بعضنا البعض ونتسائل، هل نتبعه إلى خط الوسط أم نظل محافظين على العمق الدفاعي لفريقنا؟ لم يكن لدينا أدنى فكرة".
مدافع الفريق الملكي فوجئ بجوارديولا يطبق خطة لأول مرة مع برشلونة وهي اللعب بدون مهاجم، والاعتماد على ليونيل ميسي في مركز المهاجم المتخفي، الطريقة المعروفة عالمياً بـ" false 9".
جوارديولا يقول أنه قضى وقتاً طويلاً في مكتبه يفكر قبل الكلاسيكو بيوم واحد، وتوصل في النهاية إلى اختراع هذه الطريقة لإرباك دفاع ريال مدريد وقد كان له ما أراد بالفعل.
بعد بيب قرر عدد كبير من المدربين في العالم الاعتماد على هذه الطريقة كان من أبرزهم ديل بوسكي المدير الفني السابق لمنتخب أسبانيا، ومانويل بيليجريني عندما اضطر لذلك مع مانشستر سيتي.
المدرب الكتالوني الذي يقود الآن مانشستر سيتي أراد بهذه الطريقة أن يضع لاعباً في وضع لا مركزي بين دفاع ووسط الفريق المنافس، حتى يحدث ما قال عنه ميتزلدر وكانافارو.
لكن هل كان هذا اختراع بيب مثلما يعتقد البعض؟ الإجابة تحتاج إلى آلة الزمن للرجوع 87 عاماً للوراء والانتظار في عام 1930 قليلاً من أجل قراءة ما فعله هوجو ميسيل مع منتخب النمسا.
هوجو ميسيل
"لقد سلبني القدماء أعظم أفكاري" هذه مقولة رائعة لا يُعرَف أول من قالها، لكنها تتناسب مع الكثير من المفكرين والمبدعين، تتناسب أيضاً مع بيب جوارديولا الذي كان يعتقد البعض أنه صاحب اختراع اللعب بطريقة المهاجم الوهمي.
ميسيل قاد منتخب النمسا في بداية عهد كرة القدم الحقيقي في فترة الثلاثينيات تزامناً مع إطلاق أول بطولة كأس عالم، لكن فريقه لم يشارك بها، هوجو كان مهمته وقتها إعداد الفريق للمنافسات الدولية الرسمية لأول مرة.
وفي الوقت الذي كان يلعب فيه معظم مدربي العالم بثنائي في الهجوم أو ثلاثي مستخدمين طريقة (2-3-5) الشهيرة وقتها، كان هوجو يلعب بطريقة مختلفة لا يوجد فيها مهاجمين!، نعم هي طريقة بيب جوارديولا التي نعرفها الآن.
اعتمد ميسيل على اللاعب ماتياس سيندلار في مركز المهاجم المتخفي بين دفاع ووسط المنافسين، ودعمه بلاعبين على الأطراف ومثلهما في مركز صُناع اللعب.
سيندلار هو أول مهاجم وهمي عرفه التاريخ، وبفضل طريقة هوجو أصبح نجم فريقه الذي فاز بعد ذلك بالصعود للمربع الذهبي في بطولة كأس العالم 1934 التي أقيمت بإيطاليا وظهرت فيها مصر على استحياء.
طريقة ميسيل هذه فازت بها الأوروجواي بدورتي الألعاب الأوليمبية عامي 1924 و 1928 وكأس العالم 1930 ولكن بدون تطبيق فكرة المهاجم الوهمي، طريقة الأورجواي (2-3-5) الهرمية طبقها جوارديولا أيضاً مع بايرن ميونيخ وبرشلونة ليصفه البعض بالمجنون الذي يهاجم بلا وعي.
تطوير
جوارديولا كان محظوظاً بما فيه الكفاية لأن هوجو لم يلعب بطريقة (4-3-3) بأسلوب بيب، لأن المدرب الكتالوني طوّر طريقة اللعب بمهاجم وهمي ودعم هذا المركز بثلاثي في وسط الملعب ولاعبان فقط على الأطراف.
في برشلونة نجحت طريقته وتم دعم ميسي بثلاثي رائع في خط الوسط كانوا في أغلب الأوقات أندرياس إنييستا وتشابي هيرنانديز وسيرجيو بوسكيتس.
ذلك لم يكن فقط من أجل دعم مركز ماتياس سيندلار في خطة بيب، لكنه يريد دائماً أن يستحوذ على الكرة ويجعلها بين أقدام لاعبيه، فهو يقول أنه كلما احتفظ فريقه بالكرة كلما كانت احتمالية تسجيل المنافس 0%.
تفرُّد
المدرب الكتالوني مازال متفرداً بأشياء أخرى لم يقم بها هوجو ميسيل، أو على الأقل لم يسجلها التاريخ الذي يأتينا دائماً بعد ما يقارب الـ100 سنة ناقصاً ومقصوصاً منه وهذا مؤكد لا محالة.
بيب لديه قدرة خارقة تصنع من لاعبيه "متحولون" يجيدون التحول في الملعب من مراكزهم، مثلما يفعل مع فيرناندينيو الآن الذي يشارك في مركز لاعب الوسط المدافع والمهاجم والظهير الأيمن والأيسر، وفعلها من قبل مع بوسكيتس وفيليب لام في برشلونة وبايرن ميونيخ.
نهاية
انتهت حياة هوجو ميسيل عام 1937 عن عمر يُناهز 55 عاماً ، وولد جوارديولا في عالم التدريب عام 2007 في عمر الـ36 سنة مع فريق برشلونة "ب" ليستكمل اختراعات كرة القدم التي ندرُت في فترة جُدِع فيها الجنون على مقاعد المدربين الأنيقة.