الأحد 20 أكتوبر 2019
05:32 م
منذ بزوغ نجمها في القرن التاسع عشر، أصبحت كرة القدم مسرحًا للأهداف السياسية، بعدما أسرت قلوب المليارات حول العالم، وأصبحت العامل الأكثر تأثيرًا في الشعوب على مدار عقود.
وانشغل الرأي العام المصري بأزمة مواجهة السوبر الأفريقي، التي ينتظر الزمالك حامل لقب كأس الكونفدرالية الأفريقية خوضها أمام الترجي التونسي بطل دوري أبطال أفريقيا، إلا أن مكان إقامتها وضعها على صفيح ساخن.
وكشفت مصادر بالاتحاد الأفريقي لكرة القدم عن إقامة مواجهة السوبر الأفريقي في الأراضي القطرية، استمرارًا لاتفاق مبرم يمتد لثلاث سنوات، بدأ تنفيذه العام الجاري، عندما احتضنت العاصمة القطرية الدوحة مواجهة الترجي التونسي والرجاء المغربي.
مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك أكد في تصريحات تليفزيونية رفضه خوض فريقه المواجهة في الأراضي القطرية، بسبب خلافات سياسية أدت إلى مقاطعة مصر، السعودية، الإمارات والبحرين لقطر في عام 2017.
أزمة "سوبر قطر" ليست الوحيدة التي علقت عبرها السياسة بملاعب كرة القدم، حيث رغبت دول المقاطعة الآسيوية في خوض مواجهات أنديتها أم نظيراتها القطرية في ملاعب محايدة، إلا أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم رفض الأمر، بعدما وافق على إقامة مواجهات أندية السعودية وإيران في ملاعب محايدة، لأسباب "أمنية" على خلفية الصدامات السياسية بين البلدين.
الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بدوره اضطر إلى توجيه قرعته لتجنب إقامة مواجهات بين منتخبات وأندية روسيا وكوسوفو، بسبب التوتر الناتج عن عدم اعتراف روسيا بكوسوفو كدولة مستقلة، ويفعل "يويفا" الأمر ذاته منذ خمس سنوات لتجنب مواجهات روسية أوكرانية، عقب الاجتياح العسكري الروسي لشبه جزيرة القرم.
وأصدر "يويفا" بيانًا الأسبوع الماضي، أكد خلاله فتح تحقيق رسمي، حول الإشارات العسكرية التي احتفل بها لاعبو المنتخب التركي بهدفيهما في شباك منتخبي ألبانيا وفرنسا، ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020.
تمدد الالتهاب السياسي إلى ملاعب كرة القدم أمر أصبح معتادًا منذ سنوات طويلة، خاصة عقب الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، وسارع زعماء الدول التي خرجت من أجواء الحرب لاستغلال شعبية كرة القدم، لتتحول ساحاتها إلى حلبات سياسية مصغرة.
وتمثلت أجواء تلك المرحلة في تعبير الروائي الأوروجواياني إدواردو جاليانو الذي وصف مواجهة كرة القدم بأنها تجسيد لطقوس الحرب، يمثل خلالها أحد عشر رجلًا يرتدون سراويل قصيرة درع الحي أو المدينة، وربما الأمة بأكملها.
كان بينيتو موسوليني الزعيم الفاشي الإيطالي في الثلاثينيات والأربعينيات أبرز من أدركوا تأثير كرة القدم على الصعيد السياسي، وقال الكاتب الأمريكي جون تونس أن الانتصار الإيطالي في الرياضة عمومًا وكرة القدم على وجه التحديد اعتبره موسوليني دليلًا على التقدم الإيطالي تحت قيادته، خاصة إذا كان على منافسين تاريخيين مثل الفرنسيين، وأضاف أن كرة القدم في تلك الحقبة اعتبرت وكأنها فرعًا من فروع الجيش الإيطالي.
وبقيت صورة لاعبي المنتخب الإيطالي بالتحية الفاشية في كأس العالم 1934 واحدة من أبرز الصور التي عبرت عن اقتحام السياسة ملاعب كرة القدم عبر التاريخ، كما امتد التأثير الفاشي إلى الملصق الرسمي للمونديال الذي احتضنته الأراضي الإيطالية في ذلك العام، والذي ظهر به لاعب إيطالي يؤدي التحية الفاشية.
تمتع المنتخب الإيطالي بعقد ذهبي في ثلاثينيات القرن العشرين، وتُوج بكأس العالم في نسختي 1934 و1938، وبرز المدير الفني الإيطالي فيتوريو بوزو كذراع للنظام السياسي الفاشي في ملاعب كرة القدم، حيث أمر لاعبيه بالاحتفال بالإشارات الفاشية في مواجهتهم الأولى بمونديال فرنسا 1938، عندما استقبلوا صافرات استهجانية في مدينة مارسيليا.
في النسخة ذاتها تلقى المنتخب الإيطالي رسالة مختصرة من موسوليني جاء مفادها "الفوز أو الموت" قبل المواجهة النهائية أمام المجر في العاصمة باريس، وانتهت المواجهة بفوز الأتزوري بأربعة أهداف مقابل هدفين، وأكدت تقارير عديدة أن لاعبي المجر تعاطفوا مع منافسهم في تلك المباراة، حيث صرح الحارس المجري أنتل زيرب أنه فخور بتلقي مرماه أربعة أهداف، في مقابل إنقاذ أرواح اللاعبين الإيطاليين.
وعلى درب موسوليني سار الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، الذي اعتبر كرة القدم أحد أبرز أسلحته، وحاول نظامه إجبار لاعبي المنتخبات الضيفة التي واجهت ألمانيا في تلك الحقبة على آداء التحية النازية، مما تسبب في أزمات عديدة.
ممتدة إلى أقصى درجات التوتر، تسببت مواجهة السلفادور وهندوراس في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970 بالأراضي المكسيكية في نشوب حرب بين البلدين، بسبب أزمة سياسية بين البلدين، حيث تطورت احتفالات جماهير هندوراس بالفوز ذهابًا بهدف نظيف إلى اعتداءات على أماكن تجمع السلفادوريين.
انتهت مواجهة الإياب بفوز السلفادور بثلاثية نظيفة، لتفعل جماهير السلفادور الأمر ذاته، وهو ما تسبب في التهاب الأجواء بين البلدين، قبل مواجهة فاصلة بين منتخبيهما في مكسيكو سيتي، حيث لم تكن قاعدة أفضلية الأهداف مطبقة في ذلك الوقت.
تطورت الأحداث سريعًا لتقطع السلفادور علاقاتها مع هندوراس، قبل هجوم جوي سلفادوري على أراضي هندوراس أعلن عن حرب بين البلدين خلفت 3000 قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى.
مونديال الأرجنتين 1978 كان أحد أبرز نماذج الاستغلال السياسي في تاريخ كرة القدم، وهو ما أجبر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على فتح تحقيق عام 2012، بعد 34 عامًا من انتهاء منافسات تلك النسخة، حيث اعترف جينارو ليديسما السيناتور السابق بحكومة بيرو بأن منتخب بلاده تعمد الخسارة أمام أصحاب الأرض بسداسية نظيفة، وهي النتيجة التي أهلت المنتخب الأرجنتيني للمباراة النهائية على حساب البرازيل، مقابل مساعدة الأرجنتين نظيرتها بيرو على التخلص من المعارضة في ذلك الوقت.
وأضاف ليديسما أن الديكتاتور الأرجنتيني السابق خورخي فيديلا احتاج فوز منتخب بلاده بكأس العالم في ذلك الوقت من تحسين صورة بلاده أمام العالم، وهو ما حدث بالفعل بعد الفوز على هولندا في المباراة النهائية، ليُتوج المنتخب الأرجنتيني باللقب المونديالي للمرة الأولى في تاريخه.