فتح مؤمن زكريا نجم الأهلي، الحديث حول دور المرض النفسي والضغوط التي تواجه لاعب كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية في العالم ودورها في ابتعاد المحترفين منهم عن فرقهم بعد التأثر بالضغوط الهائلة التي تصنعها اللعبة وتؤثر على الحياة الشخصية.
حالة مؤمن زكريا التي كشف عنها في سابقة استثنائية في الأوساط المصرية الرياضية ليست الأولى عالمياً فقد سبقه بعض نجوم العالم الذين لجأ منهم لعيادات الطب النفسي للعلاج والتأهيل.
وأفادت دراسة أجراها الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين (فيفبرو) عام 2015 أن واحدًا من كل ثلاثة لاعبين يعاني من الاكتئاب أو القلق، لتخرج الدراسة في النهاية بتوصية تتعلق بضرورة الاستعانة بطبيب نفسي بالفرق الرياضية بالتوازي مع طبيب الإصابات والمتخصص في التأهيل .
الدراسة التي نشرت عام 2015 فحصت 826 حالة وخرجت بنتيجة أن نسبة الذين يعانون من أمراض نفسية وصلت إلى 38% فيما تبلغ نسبة المعتزلين الذين يعانون من المرض النفسي 35%..
وذكرت مجلة (فور فور تو) البريطانية أن 78% من اللاعبين المحترفين في إنجلترا وأسكتلندا مروا بفترات اكتئاب ليس فقط بسبب النتائج السلبية أو الهجوم من الجماهير ووسائل الإعلام وإنما للتعرض للعنصرية .
الاكتئاب والقلق ليس ما يواجه لاعب الكرة المحترف فقط بل يأتي مرض "متلازمة الاحتراق النفسي" كأشهر الأمراض التي تضرب لاعب كرة القدم خلال مسيرته.
"متلازمة الاحتراق النفسي" تمت صياغتها من قبل عالم النفس الأمريكي "هربرت فرويدنبرجر" في السبعينيات، وذلك لوصف عواقب الإجهاد النفسي الشديد، وبحسب الدراسات التي أجريت فإنه لا يوجد تشخيص دقيق لهذه الحالة في الأوساط الطبية .
وبحسب دراسة نشرت في صحيفة "ديلي ميل" الإنجليزية فإن (الإرهاق الشديد، الشعور بالإحباط، انخفاض الأداء) هي ثلاثة أعراض بين "متلازمة الاحتراق النفسي" والاكتئاب إلا أن الأخير يتميز مريضه باليأس والميول للانتحار، في حين أن السبب الرئيسي المشترك وراء الأمراض النفسية، الإصابات والآلام البدنية، وتزداد المعاناة النفسية لمن تعرضوا لثلاث أو أربع إصابات أدت إلى غيابهم لفترات طويلة خلال مسيرتهم.
وقال الدكتور محمد إبراهيم عبدالرازق الحائز على دكتوراه في التدريب الرياضي في جامعة نيوكاسل وعضو الجمعية المصرية لعلم النفس الرياضي، إنه من المؤسف إهمال الإعداد النفسي للاعبين وتجاهل الأضرار النفسية للاعبين داخل الأندية واعتبارها من الأمور الثانوية، مضيفا: "الكثير من الأندية التي تنفق بسخاء على تعاقدات المدربين واللاعبين الأجانب، وتبخل في هذا الجانب، رغم أن الدراسات الحديثة أشارت إلى أنه لأجل تحقيق إنجاز فإن العامل البدني والمهاري يشكل 60% في تحقيق هذا الإنجاز فيما يشكل العامل النفسي 40% .
ويفسر الطبيب النفسي "كيري إيفانز" الذي عمل في نادي أرسنال وفى منتخب نيوزيلندا للرجبي بطل العالم عامي 2011 و2015 ما طرحه إبراهيم ويقول عبر موقعه الرسمي "مدربون يقولون ماذا سيفعل الطبيب النفسي من أجل تسجيل الأهداف أو منعها، ولكننا نتعامل مع الإنسان أولاً ثم اللاعب، فإذا أحسنت من حال الإنسان فستحصل على أضعاف مجهوده داخل الملعب".
ويعد الأسطورة الإيطالية "جيانلويجي بوفون" حارس مرمى اليوفي أشهر من تعرض إلى "متلازمة الاحتراق النفسي" في الفترة بين يونيو 2003 ويونيو 2004، عانى خلالها من المرض النفسي وتلقى العلاج عبر طبيب نفسي".
ونشرت صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية في عام 2008 مقتطفات من كتاب "الرقم واحد" تحدث فيه بوفون عن أنها الفترة السوداء في مسيرته.
وقال بوفون: "لم أكن راضيًا عن حياتي كلاعب كرة قدم وعن عملي، عانيت من ارتجاف في قدماي خلال المباريات خوفاً من ارتكاب الأخطاء والخسارة بسبب هذه الأخطاء".
وأضاف بوفون الذي كتب سيرته الذاتية مع "روبرتو بيرروني" الصحفي في جريدة "كورييري ديللا سيرا" روبرتو بيرروني: "هناك عدة أسباب لهذا الاكتئاب رغم كونك مشهورًا وغنيًا، عدم الفوز في مسابقة دوري أبطال أوروبا، عدم تقدير ما تملك، تساورك الشكوك، وتمر في فترة صعبة للغاية، الجماهير لا تكترث لحالتك النفسية، أنت لاعب كرة، المثل الأعلى، ولا أحد يسألك عن حالك وإذا ما كنت على ما يرام، تصبح في النهاية عبدًا في خدمة صورتك".
وأنهى: "أخرجت رأسي من هذه الحالة، كنت بحاجة لأن أحب نفسي بشكل أكبر".
الويلزي جاريث بيل نجم ريال مدريد الإسباني واحد من أشهر من ترددوا على عيادة الطبيب النفسي، أيضاً فقد ذكرت صحيفة " الدايلي ميل" في عام 2015 أن النجم "الزجاجي" توجه إلى عيادة الطبيب النفسي "جيمي إدواردز" الذي يزوره عدد من لاعبي كرة القدم وعلى رأسهم حارس مرمى مانشستر سيتي السابق "جو هارت" من أجل معالجة بعض المشاكل النفسية التي يعاني منها.
بويان كركيتش موهبة واعدة في برشلونة ظهرت 2007، وضع في المقارنة مع النجم الأرجنتيني الأسطوري ليونيل ميسي فكانت النهاية، القلق ضربه ونال منه ليمر بفترة للعلاج النفسي لإزالة الحواجز استمرت لمدة أربعة أشهر .
وقال كركيتش في حوار أجراه في مايو 2018 مع صحيفة "جارديان" البريطانية: "وجهت إليّ الدعوة من المنتخب الإسباني لمباراة فرنسا الودية ووقتها أصبت بدوار وارتجافة، وكانت هذه المرة الأولى التي أتعرض فيها لمثل هذه الحالة، وبرروا وقتها هذه الحالة بإصابتي في المعدة حتى لا نكشف ما حدث، باختصار عالم كرة القدم لا يبالي بمثل هذه الأمور".
ويشرح "باري كريبس" الخبير الإنجليزي تعامل المنتخب الإسباني مع كركيتش عبر موقعه الرسمي قائلا: "هذا ما نواجهه من صعوبات في أداء عملنا، اللاعب يخاف على موقعه في الفريق، والمسؤولون يخشون تسريب المعلومات للإعلام، ولذلك لا يريدون الحديث معنا عن مشاكلهم".
"والدتي خضعت لعملية جراحية بسبب إصابتي وغيابي عن الملاعب، لقد تأثرت بشدة بسبب هذا الموقف".. مؤمن زكريا يشير إلى عامل آخر في تضرره النفسي.
البرازيلي أدريانو واحد من أبرز الذين عانوا من هذا الموقف، وفاة والده أصابه في مقتل بل وضع حدأً لمسيرة "الإمبراطور".
وكشف النجم الأرجنتيني السابق خافيير زانيتي، القائد التاريخي لفريق إنتر ميلان، عن سر انهيار مسيرة المهاجم البرازيلي أدريانو خلال حواره صحيفة "أس" الإسبانية نشر فى عام 2017 .
وقال زانتي "تلقى أدريانو اتصالا من البرازيل أُبلغ خلاله بنبأ وفاة أبيه وهذا الاتصال غير حياته تماما".
وأضاف: "ظل يبكي وقذف الهاتف وصرخ بشدة ومن ثم دخل في نوبة اكتئاب وفي سلسلة خلافات مع المدرب جوزيه مورينيو وقرر الرحيل عن النادي والعودة إلى البرازيل، حاولنا إخراجه من حالة الاكتئاب دون جدوى".
ومع مآساة بورسعيد 2012 دخل نجوم الأهلي فى حالة نفسية دفعت إدارة النادي الأحمر إلى التعاقد مع أحمد فكري عضو الجمعية الرياضية العالمية للطب النفسي لتأهيل اللاعبين حيث توج الفريق في نفس العام بلقب دوري الأبطال الأفريقي.
واستلهم الزمالك تجربة الأهلي فى نفس العام (2012) واستعان بأطباء نفسيين بفريق الزمالك جعلهم يتغلبون على الرهبة النفسية التي يعانون منها في مواجهة الأهلي على حد قول رؤوف جاسر عضو مجلس إدارة نادي الزمالك.
وقال جاسر ليلا كورة عام 2012 علي خلفية تعادل ناديه مع الأهلي 1-1 مع الأهلي في ختام دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا من نفس العام :"المدرب جورفان فييرا على أعلى درجة من التقدم ولقد قام بالاستعانة بعدد من الأطباء النفسيين".
وأكمل: "الطب النفسي عالج رعب الزمالك من مواجهة الأهلي ولأول مرة يضغط الزمالك على الأهلي."
الارجنتيني هيكتور كوبر المدير الفني الأسبق لمنتخب مصر طالب في ولايته تعيين أخصائي تغذية وطبيب نفسي ولكن الأمر تحمله محمد فايز مساعد المدرب بالمقاطع التحفيزية قبل المباريات وطبيب المنتخب محمد أبو العلا.
وقال محمد أبو العلا ليلاكورة "نقوم بشحن اللاعبين وبجرعات معينة، حالة التحفيز إذا زادت عن الحد ستكون نتائجها عكسية، ففي أوروبا يتعاملون مع مدرب حياتي يلجأون له لتنسيق اليوم وتحديد كيفية التعامل مع كافة الأمور".
"هل أنا مجنون؟!"، هكذا أضاف أبو العلا، قبل أن يوضح: "هذه أول جملة ستقال عندما تطلب من أي فرد الجلوس مع طبيب نفسي، يجب أن نراعي الثقافة المصرية في هذه الأمور، وهو ما سيحدث حتى من اللاعبين المحترفين".
ويوجه فى النهاية عبر كتاب "سيكولوجية الفرق الرياضية" نصائحه إلى الرياضيين باعتبار النشاط الرياضي يمارس للمتعة وعدم اعتبار الإخفاق الرياضي فشلاً وتقصيراً شخصياً بالإضافة إلي توعية المدربين بدور الطب النفسي الرياضي في الوصول لقمة الأداء الفني.