مرافق تنزانيا.. كيرلس جورجيوس.. صدفة قادته لحلمه.. وتحول لمترجم إيمانويل أمونيكي في كأس الأمم
كيرلس جورجيوس وأمانويل أمونيكي
كتب: مصطفى الجريتلي
لم يكن انضمام كيرلس جورجيوس، لفريق عمل متطوعي بطولة كأس أمم أفريقيا 2019 سهلًا لصاحب الـ 23 عامًا.
كيرلس ـ الذي تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة المستقبل ـ ظل يُتابع أخبار التقدم للتطوع في البطولة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى فُتح الباب وسجل كل بياناته.
"بطولة مثل أمم أفريقيا حين تُقام في بلدك فستكون حدثًا جلل"، لذا ظل ينتظر الشاب ـ الذي نشط في كثير من الأعمال التطوعية خلال دراسته ـ منتظرًا ردهم على طلبه:"كنت رئيسًا للجنة الرياضية في اتحاد الطلبة بالجامعة وكذلك لعبت بمنتخب الطائرة بالجامعة ومن قبل كنت لاعبًا لكرة القدم في أحد الأكاديميات بالصعيد ولكن الصعيد مُهمل".
عمله بأحد الأنشطة التابعة للأمم المتحدة خاصة بشؤون اللاجئين كمتطوع كان أكثر شيء يشغل باله حال موافقة اللجنة المنظمة عليه ليكون ضمن المتطوعين بالبطولة.
وبالفعل وصل كيرلس الرد الذي كان ينتظره أحد العاملين باللجنة المنظمة تواصلت معه هاتفيًا لإبلاغه بموعد الاختبارات ولكن اللحظة لم تكن سعيدة سوى للحظات حينما أخبرها أنه في محافظته أسوان ويحتاج لتحديد موعد أخر:"قالتلي هشوفلك ميعاد تاني لكن لم يكن هناك فرصة أخرى".
ورغم محاولات كيرلس الوصول لهم عبر الرقم ذاته الذي تواصلوا معه خلاله إلا أنهم لم يفيدونه بموعد جديد ليُسافر مع أصدقائه إلى الإسكندرية؛ لقضاء عطلة صيفية هناك.
كيرلس لم يتناسى شغفه بالانضمام لفريق المتطوعين بكأس الأمم ولكن لم يكن يتوقع أن خلال جلوسه بأحد المقاهي المحيطة بمكتبة الإسكندرية إنه سيرى شبابًا يرتدون بذلات رسمية ولافتات تُشير إلى وجود مقابلات لشباب المحافظة الراغبين في العمل كمتطوعين.
ولكن ماذا سيفعل الشاب الذي يرتدي ملابس "كاجوال (شورت وقميص أسفله تي شيرت)"؟.. كيرلس لم يستغرق كثيرًا للتفكير في الأمر فذهب للمنسقين لطلب الحصول على موعد؛ حيث قابل المسؤول عن الحدث محمود صلاح الذي أخبره أنه سيبلغ قصته لدكتور جهاد عامر، المسؤولة عن فريق المتطوعين فتبادلا الأرقام.
ولكن يبدوأن ضغط اليوم أشغل محمود صلاح عن إفادة كيرلس الذي أخذ يتردد عليه لكي يُحدد معه موعدًا جديدًا وحينها أخبره أن دكتور جهاد تريد رؤيته.
دكتور جهاد ـ التي أعتادت رؤية شباب ببذلات رسمية يدخلون للمقابلات ـ فوجئت بذلك الشاب العشريني:"أنت معاك بنطلون؟" لم يجد كيرلس إجابة ليحكي لها قصته كاملة ورغبته في الالتحاق بـ "الحدث العظيم" الذي تشهده بلاده وإصراره على خوض التجربة.
فما كان من جهاد عامر سوى أن تُطالبه بالدخول للمقابلة ومحاولة إثبات نفسه أمام اللجنة:"كانوا لطفاء للغاية ومزحنا بخصوص الأمر في البداية قبل أن أخضع للاختبارات في اللغة والمهارات وكيفية تعاملي في المواقف المختلفة وغيرها من المواقف".
الأمل يتجدد لدى كيرلس ولكن مرّ 10 أيام ولم يهاتفه أحد يُخبره بموقفه من القبول أو عدمه ليتواصل مع المهندس محمود صلاح، الذي قابله في الإسكندرية ليخبره بانتظار رد اللجنة حتى هاتفه هو بشخصه :"ماتنمش هكلمك الساعة واحدة ونص بليل"، حينها علم كيرلس أن أمر ما جد في أمره.
محمود أخبره بضرورة التواجد بزي رسمي لحضور مقابلة في مركز التعليم المدني بالقاهرة:"دكتور جهاد فاكراك وطلباك بالاسم.. الولد اللي كان لابس قميص وشورت عاوزة أشوفه تاني"، لتُمازحه فور رؤيته للمرة الثانية بالقاهرة ولكنه بالزي الرسمي:"أنا شفت فين الشاب ده قبل كده؟".
جلس كيرلس أمامها وبجوارها حسام حسن، منسق لجنة مرافقى الفرق ودكتور رشا الوحش ـ التي تتحدث 4 أو 5 لغات تقريبًا ـ؛ حيث خضع لأكثر من اختبار حتى سألوه:"هل مستعد للحصول على إجازة من عملك والمكوث خارج منزلك؟" ليرد بالإيجاب.
"ستكون TLO"، هي الجملة التي كانت حديثة على سمع كيرلس الذي لجأ لمحرك البحث جوجل لاستكشافها:"ضابط اتصال الفرق وبمعنى أخر مرافق الفرق".
الأمر لم يُشكل الفارق الكبير بالنسبة لكيرلس؛ حيث حقق حلمه بالتواجد في البطولة التي هاتفوه مسؤولوها بعد ثلاثة أيام من قبوله لإخباره بموعد التدريب الأول ومعرفة مقاسات ملابسه:"هنا قررت طلب إجازة من عملي ولكنهم رفضوا ففضلت مكاسب البطولة والخبرة التي سأكتسبها خلالها وتقدمت باستقالتي فحين سألت دكتور جهاد عن المدة التي تحتاجني بها أخبرتني من يوم 18/6 حتى 25/7 موعد رحيل أخر فوج".
شارك كيرلس بالتدريب الأول بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا؛ حيث أخبروهم بأنهم واجهة مصر الأولى لكل فريق سيصل للمشاركة "أنتم خلال البطولة جنسيتكم جنسية الفريق اللي شغالين معاه".
كذلك استمع لكلمة محمد فضل في جلسة أخرى عقدها مع المتطوعين:"أنتم أخواتي وعاوزكم تشرفوني وتكونوا قدر المسؤولية".
"ستكون مرافقًا لمنتخب تنزانيا"، جملة لم يستحسنها كيرلس كثيرًا فلم يكن يعرف الكثير عن منتخب هذه الدولة أو الدولة ذاتها ولكنه ظل لمدة 9 ساعات يدرسها مستعين بصديق تنزاني وأخر نيجيري يحدثه عن المدير الفني للفريق إيمانويل أمونيكي الذي سبق ودرب النسور ـ تحت 17 سنة ـ؛ لمعرفة شخصيته.
ولكن يبدو أن الأمور كانت أسرع مما يتوقع فتلقى اتصالاً من مسؤول السفارة التنزانية يُخبره أن إداري الفريق ورئيس بعثة منتخب بلاده والمدير الفني سيصلون في اليوم التالي:"تفاجئت وتحدثت مع منسق لجنة مرافقي الفرق، الذي أخبرني فيما بعد هو ومسؤول باتحاد الكرة عن قدومهم وما هو مطلوب مني فلم أحضر التدريب الثاني".
"أين أنت أنا في الفندق؟"، هكذا هاتفه مدير منتخب تنزانيا؛ ليقابله في الفندق وييبدأوا التنسيق لاستقبال بعثة الفريق:"كان معنا في الجلسة حميد ماو لاعب بتروجت وإنبي في مصر.. جلسنا في الفندق ثم ذهبنا للمطار لاستقبال البعثة".
وكانت بعثة منتخب تنزانيا هي أول بعثة تصل مصر للتدرب؛ حيث حجزوا له هو غرفة بدون مساعده:"لأن المعسكر يكون على حسابهم حتى قبل البطولة بـ 5 أيام"، ليستقبلهم بكلمة سواحلية لغتهم الأساسية في الفندق "karibu Misri" تُعني "مرحبًا بكم في مصر"؛ لتكسر الثليج بينههم ـ بحسب المصطلح الإنجليزي ـ
وكانت هي المرة الأولى التي يتعامل بها كيرلس مع جهات أمنية كثيرة ـ 6 جهات ـ فكان عليه في كل تحرك إبلاغ الأمن الوطني، العام، شرطة السياحة بخلاف إعداد تقرير مُفصل يومي لمديره في اللجنة المنظمة بما فعله كل ذلك كان يبهره ولكنه كان يُحافظ على ثباته:"الطائرة كان ميعادها 8 تقريبًا أو8:30 ووصلت 9:00 ثم ذهبت بهم للفندق لإنهاء إجراءات إقامتهم ثم فوجئت برئيس البعثة يخبرني بعدها أنه علينا الذهاب لاستقبال اللاعبين المتخلفين من البعثة في رحلة ستصل 11:45 فلم أنم حتى أكون جاهزًا للموعد".
وبالفعل ظلّ كيرلس صادمًا حتى توجه هو ورئيس البعثة ومسؤول السفارة التنزانية للمطار لجلب اللاعبين ولكن تأخرت طائرتهم كثيرًا هذه المرة ووصلت 2:30 صباح اليوم التالي وعند عودته معهم إلى الفندق كان اللاعبون الذين وصلوا مساء الليلة الماضية لها قد استيقظوا وبدأو ينادونه "كارلوس" لمساعدتهم في تلبيهم احتياجاتهم.
كارلوس ـ كما يلقبونه ـ واصل مستيقظًا فهناك لاعبًا كان يريد الخضوع لبعض الفحوصات الطبية وحارس يُريد شراء قفازًا فذهب معه؛ حيث أهداه الأخير قميصًا له ـ في نهاية مشوارهم بالبطولة ـ كذكرى وامتنانًا لمساعدته ليُنهي يومه الثالث بالذهاب لمطار القاهرة لاستلام شحنة خاصة بالبعثة رفقة الإداري ورئيس البعثة.
خلد كيرلس للنوم ليستيقظ على يومًا مليئًا بالأحداث فالمدير الفني للمنتخب التنزاني يبحث عن ملعب للتدرب عليه وهي المهمة الجديدة للشاب المصري؛ حيث تواصل مع بعض أفراد اللجنة المنظمة الذين رشحوا ملعب دار الوقود بجانب الدفاع الجوي في منقطة التجمع ولكن إيمانويل طلب البحث عن ملعب أخر فذهبوا لأحد الفنادق بمنطقة أكتوبر ولكنني اقترحت عليهم التدرب في المركز الأوليمبي في منطقة المعادي وأحضرت لهم عرضًا جيدًا ليوافقوا عليه.
ليدخل كيرلس الأجواء مع منحه الزي الرسمي لبعثة تنزانيا من مدير الفريق؛ ليشعر كأنه فردًا منهم؛ حيث بدأ تلقي اتصالات الصحافيين للتنسيق مع أمانويل أمونيكي لإجراء أحاديث صحفية أو مع اللاعبين قبل مباراتهم الودية أمام مصر، التي ظل الفريق التنزاني منبهرًا بالتأمين المحيط به طوال طريقه للإسكندرية مثلهم مثل الراكب المصري معهم في الحافلة ليتراقصوا على بعض الأغاني التنزانية ويدعونه لذلك فتنشأ علاقة الصداقة بينهم.
مرافق تنزانيا يشعر بالامتنان الشديد لجلوسة رفقة الجهاز الإداري للمنتخب المصري في الاجتماع الفني للمباراة وكذلك رؤيته للاعبي منتخب بلاده في أرض المباراة:"لم أكن ما علي فعله فهم يلاعبون منتخب بلدي الذي أنتمي له ولكن تذكرت جملة أنت بجنسية الفريق التي ترافقه حتى نهاية مشواره".
الأمور مرت بصورة جيدة ولكنه لا ينسى مفاجأة المؤتمر الذي سبق المباراة؛ حيث طلب الحضور منه ترجمة حديث المدير الفني لتنزانيا، أمونيكي، ظللت لوهلة لا أدرى ماذا أفعل فأشاد مترجم كوبر وأجيري ولم أقف لأترجم أمام هذا الكم من الكاميرات مسبقًا "يلا يلا ياكارلوس"،بعض الكلمات العربية التي يُجيدها المدير الفني لتنزانيا ـ الذي سبق له وأن لعب بصفوف الزمالك ـ جعلت كيرلس يجلس بجواره في المؤتمر الصحفي لترجمة أسئلته الحضور له وإجابته لهم.
واصل كيرلس عمله في المعسكر وسد أصدقائه لاعبي تنزانيا الذين كانوا يقرعون باب غرفته ثم يختبأون تارة وأخرى ينادونه لتناول الطعام معهم في وسط عمله حتى جاء موعد مباراتهم الأولى:"كان لها مذاقًا خاصًا".
الجميع أصبح يعتمد بصورة أكبر على كيرلس وأصبحت اتصالاته عديدة لتوفير الخدمات لبعثة تنزانيا وذهب معهم وشاهد المباراة من المدرجات ولكنهم استهلوا مشوراهم في البطولة بالهزيمة بهدفين أمام السنغال:"كانوا متوقعين الهزيمة فلم يصعدوا منذ 39 سنة للبطولة والسنغال بالنسبة لهم منتخب كبير".
ولكن كريلس أخذ يحفزهم لمباراة التالية أمام كينيا بعدما أحضر لهم الثلج المُخصص لعمليات الاستشفاء عقب مباراة السنغال ولكنهم هُزموا بنتيجة 3 – 2 وفقدوا أي أمال للتأهل كأفضل ثوالث قبل أن يُهزموا في المباراة الثالثة:"وداعهم كان صعبًا فقد ربطتنا الكثير من الواقف الجيدة"
وهو الأمر الذي ظل يتذكره له منتخب تنزانيا، فمفوض رئيس تنزانيا ومحافظ دار سلام دعاه لزيارة بلدهم وتبادلا الأرقام سويًا، كما وجهت البعثة خطاب شكر للجنة المنظمة بسبب خدماته لهم.
فريق تنزانيا الذي وصل لمصر كأول بعثة رحل سريعًا 4/7 ليشعر كيرلس بالملل فقد ترك وظيفته ولا يجدما يفعله فتحدث رفقة محمود صلاح، الذي قابله في الإسكندرية، ليعمل معه في رفع الأعلام:"كانت رائعة هذه المرة وذهبت لاستاد القاهرة والسلام".
ومع انتهاء البطولة تواصل مع دكتور جهاد عامر لشكرها على الفرصة التي منحتها له؛ حيث يعمل حاليًا على استغلال الخبرات التي خرج بها لتحديد مستقبله الوظيفي خلال الفترة المقبلة.
طالع أيضًا:
مرافق النسور.. عمر طارق.. أهداه أوبي ميكيل ميداليته.. وكرمته نيجيريا بأسبوع في بلادها
مرافق جنوب أفريقيا.. يوسف أحمد الذي استعان به المدير الفني كمحلل أداء
فيديو قد يعجبك:
الإحصائيات
جميع الإحصائيات-
المباريات52
-
102
-
الهداف
-
صانع الأهداف