تصوير - روجيه أنيس – مارينا ميلاد
"آلين"، "فيليب"، وزوجته "كيت" يهرولون للحاق بالطابور المتراص أمام بوابة الدرجة الأولى بإستاد القاهرة الدولي والدخول سريعًا؛ فالساعة قد اقتربت على السادسة مساءا، وهو الموعد المفترض أن تُغلق فيه جميع البوابات، ليتم تهيئة كل شيء تنظيمياً وتأمينياً تمامًا لقدوم الرئيس وافتتاح بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019 بمباراة بين مصر ومنتخب زيمبابوي الذي ينتمي إليه كل منهم.
طوال ساعات طويلة تقريبًا لم يمر على ذلك الطابور وطوابير البوابات الأخرى جمهور زيمبابوي بشكل ملحوظ. إلا أن الشباب الثلاثة الحاملين تذاكر فئة "150 جنيه" بدوا حريصين للغاية على دعم منتخبهم.
ألين (25 سنة)، فيليب (26 سنة)، كيت (22 سنة)، ثلاثتهم طلبة يعيشون في منطقة زهراء المعادي، يعمل الأول في أحد البنوك الأفريقية لينفق على معيشته ودراسته "أصول الدين" في جامعة الأزهر. أما الآخران فيتفرغون لـ"دراسة الأديان" بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
يقول فيليب: "إن الحياة في مصر جيدة، صحيح أنها أصبحت غالية الثمن، لكنها على ما يرام بالنسبة لهم". ورغم أنه لم يزر بلده منذ عامين مضوا إلا أنه يرى الحياة فيها صارت جيدة أيضًا، كما أنها ذات طبيعتها المميزة، وطقسها المعتدل أغلب الوقت وليس جافًا مثل هذا الوقت في مصر.
أما آلين فكانت آخر زيارته لزيمبابوي منذ 4 سنوات. آلين لن يحرص على متابعة كل مباريات منتخبه خلال البطولة وحسب إنما سيحرص على متابعة عدد من مباريات المنتخبات الإفريقية الأخرى؛ كمباراة أوغندا والكونغو، اليوم السبت.
كان آلين يتوقع (قبل المباراة)، أمس، أن تفوز بلده بثلاثة أهداف مقابل لا شئ.
دخل الشباب الثلاثة ستاد القاهرة، الذي استعد جيدًا لهذه البطولة بعد أن تم تجديده خلال الفترة الماضية، وفي الداخل كانت المساحة المخصصة لجمهورهم هي الوحيدة "الشاغرة" فيما عدا بضعة مقاعد، يجلس فيها عدة أشخاص متفرقين بينهم "آفيك"، وزوجته "ميرينا"، وابنهما "رايان".
تعيش أسرة "آفيك" في مصر بمنطقة هيليوبوليس منذ 4 سنوات. جاءوا في البداية بهدف السياحة فقط حتى تحول عندما وجد "آفيك" (37 سنة) فرصة عمل مع إحدى المنظمات التي تختص بمساعدة الدول الإفريقية النامية.
آفيك، الذي تخرج من جامعة زيمبابوي بعد أن درس علوم الكومبيوتر، يرى أن بلاده الأفضل في التعليم بين كل دول إفريقيا، كما أنها أقل تلوثًا من مصر، لكن على الناحية الأخرى فاقتصادها لازال يعاني مشكلات، يأمل أن يتحسن على يد الرئيس الحالي "إيمرسون منانجاجوا"، الذي تولى بعد الإطاحة بسابقه "روبرت موجابي" أواخر 2017 بعد أن حكم 37 عامًا.
كانت آخر زيارات آفيك إلى زيمبابوي الشهر الماضي، فهو لم ينقطع عن زيارة عائلته هناك: "لا يمكن المقارنة بين الحياة في البلدين، لأننا بلد صغيرة عكس مصر".
وعما تمثله كرة القدم بالنسبة لهم؛ يقول "آفيك": "الكرة تجمع الناس معًا لكن ليس كمصر لأنها بلد كرة القدم الأولى، هنا مجتمع كبير وأندية كبيرة، كما أن اهتمامنا في زيمبابوي ربما ينقسم لعدة رياضات أخرى مثل التنس والكرة الطائرة".
أنفق "آفيك" 450 جنيه له ولزوجته وابنه ذو الـ6 سنوات ليحضر تلك المباراة. وهي ليست المرة الأولى التي يذهبون فيها معًا إلى إستاد القاهرة. يتوقع الرجل – قبل صافرة البداية - أن يرى مباراة جيدة: "الفريق الأفضل سيفوز، كلانا لدينا لاعبين جيدين؛ ففي مصر بالتأكيد الأفضل محمد صلاح فهو سريع جدًا، ثم تريزيجيه، لدينا أيضًا في زيمبابوي اللاعب خاما بيليات، نحن نعول عليه كثيرًا".
بجانب أسرة آفيك، يجلس روفارو (31 سنة) بمفرده ممسكًا بكاميرته لتوثيق هذه المباراة الهامة. يعيش روفارو في مصر مع زوجته منذ 8 سنوات، بدايتهما عندما كان طالبًا في جامعة القاهرة، ثم عمله موظفًا في الاتحاد الإفريقي للكرة الطائرة بعد تخرجه عام 2015.
ما يجعل حياة مصر مغرية لروفارو وكثير من الزيمبابويين هو أنها تعتبر "أرخص كثيرًا" – في رأيه – مقارنة بتكلفة المعيشة في زيمبابوي خاصة بعد سوء الأحوال الاقتصادية واستخدامهم الدولار الأمريكي بديل عن عملتهم الأصلية "الدولار الزيمباوي".
لكن الأمر لروفارو وغيره في مصر ليس على ما يرام دائمًا: "كأفارقة أو ذو بشرة سمراء نواجه مشاكل عدة أهمها عنصرية بعض الأشخاص واللغة.. أتذكر عندما كنت أستقل (الميكروباص) ورفضني عدد من الركاب، إلى جانب ترديد عبارات مثل "يا سمارة"؛ أعرف أنها بالنسبة للمصريين دعابة لكن طريقتهم ليست جيدة، لذلك عادة ما أدفع لمقعدين حتى لا يجلس أحد بجواري".
في الوقت الذي يتحدث فيه روفارو، يجلس مئات الآلاف في بلده يتابعون المباراة في شاشات كبيرة يضعونها في الحدائق والمنتزهات كطقس معتاد – حسب قوله، "نحن لا نتوقع الوصول إلى النهائي لكن نتمنى أن نلعب جيدًا".
مع بداية الشوط الأول المباراة. لم تعد المقاعد "شاغرة" وامتلأت عن آخرها لكن بجمهور مصر وليس زيمبابوي. حتى حضر فجأة عشرات الأشخاص من جمهور زيمبابوي؛ اضطر المسؤولون عن التأمين تجليسهم في جزء أخر ونقل المشجعون الذين سبقوهم جوارهم.
من هؤلاء القادمين شخصًا أخر يدعى آلين (30 سنة)، جاء إلى مصر لأول مرة منذ أسبوعين متحملا تكلفة 450 دولار لتذاكر الطيران إلى جانب تذكرة المباراة لدعم منتخب بلاده. ينوي آلين أن يزور الأهرامات وأحد الشواطئ قبل مغادرة مصر التي لم ير فيها حتى الآن سوى الأسواق التجارية الشهيرة.
يقول آلين - الذي يظهر انفعالا كبيرًا مع كل هجوم لمنتخبه - : "المصريين جيدون معي عندما كنت في المطار لكن بعد أن وصلت إلى المكان الذي أقيم فيه وهو بيت أحد أصدقائي وجدت أنهم لا يستطيعون التعامل معي بسبب اللغة ولا يعرفون شيء عن زيمبابوي سوى أنها دولة في إفريقيا".
بينما تولى "روماريو" خلال المباراة مسؤولية الهتافات العالية والصاخبة لتصل أصوات أعدادهم القليلة للاعبيهم.
روماريو (44 سنة) هو مدير تطوير في إحدى الشركات الهندسة بالعاصمة الزيمبابوية "هراري"، وهو أحد كبار مشجعي المنتخب أو ما يمكن تسميتهم "التراس زيمبابوي". فذهب روماريو مع المنتخب في الأربع مرات الذي شارك فيه في بطولة إفريقيا: الأولى في 2004 بتونس، والثانية 2006 في مصر، والثالثة 2017 في الجابون، والآن عاد إلى مصر مرة أخرى لكن مع 100 مشجع (بينهم مهندسين، وأصحاب أعمال حرة بسيطة)، وصلوا من زيمبابوي قبل يوم من المباراة، وساعدهم مجموعة من الرعاة في ذلك - يتحفظ روماريو على تحديدهم.
"لدينا التزام تجاه فريقنا لنكون معه أينما ذهب، لكن لمصر وضع مختلف فأنا أشعر بكرم المصريين، هم ودودون جدًا، يستقبلوننا جيدًا منذ أن كنت هنا في المرة الأولى عام 2006 وكانت مباراة زيمبابوي في بورسعيد وقتها".. يقول روماريو.
ظل روماريو ومعه "آلين"، "فيليب"، "كيت"، "آفيك"، "روفارو" يشجعون في مساحتهم الضيقة منتخب "المحاربون" – كما يسمونهم - طوال 90 دقيقة من مباراته مع منتخب مصر، والتي انتهت بفوز الأخير بهدف مقابل لا شيء، لم يضعفهم ذلك بل عبر كثيرون منهم عن سعادتهم بأداء منتخبهم وثقتهم فيه خلال المباريات المقبلة.