كتبت- دينا خالد:
بحفل افتتاح مبهر استطاعت مصر جذب أنظار العالم إلى قدرتها على تنظيم بطولة أمم أفريقيا لعام 2019، وذلك بعد أقل من 6 أشهر من الاستعداد لاستضافة البطولة، والتي لم تقتصر استفادة مصر منها فقط على الجانب الرياضي، بل امتد أيضا لمكاسب اقتصادية وسياسية.
مكاسب سياحية مباشرة وغير مباشرة عادت على مصر، بحسب خبراء سياحة واقتصاد، من تنظيم البطولة، سواء من خلال زيادة إشغال الفنادق في المدن التي شهدت تنظيم البطولة، وأيضا ارتفاع أسعار الإقامة بهذه الفنادق مع زيادة الطلب، إلى جانب إنقاذ موسم غير رائج سياحيا في فترة بدايات الصيف.
كما استطاعت مصر من خلال استضافة البطولة تسليط الضوء على أنها دولة أمان واستقرار ضمن منطقة يسودها التوتر والصراعات، وهو ما يدعم القطاع السياحي ويروج للاستثمار.
ولم تقتصر مكاسب تنظيم البطولة المستمرة من 21 يونيو حتى 19 يوليو الجاري، على القطاعات الكبيرة، بل طالت أيضا المحلات الصغيرة والأكشاك، وساهمت في توفير فرص عمل وتشجيع الكثيرين على افتتاح مطاعم ومقاهي بالقرب من الاستادات والملاعب التي تقام عليها المباريات.
ونظمت مصر البطولة في 4 مدن لا تعد مقصدا في العادة لكثير من الوفود السياحية الخارجية التي تزور مصر اللهم إلا القاهرة في بعض الأحيان، وهو ما يعد مكسب من نوع جديد عبر استفادة هذه المدن من البطولة واكتشافها سياحيا.
وتتمثل هذه المدن في القاهرة، والإسكندرية، والإسماعيلية، والسويس، والتي استضافت 24 فريقا ممثلين لـ 24 دولة أفريقية، من بينها مصر، بالإضافة إلى جماهيرها، وعدد من المسؤولين عن الرياضة بهذه الدول.
وبالإضافة إلى مصر، تتضمن الفرق المشاركة في البطولة 3 منتخبات عربية أخرى وهي تونس، والجزائر، والمغرب، وهي دول يسهل على جماهيرها الحضور إلى مصر، وبالتالي كان لها تواجد ملحوظ ظهر خلال البطولة.
وقال ريمون نجيب، الخبير السياحي والتسويقي، لمصراوي، إن السياحة هي أول القطاعات التي استفادت من تنظيم مصر لبطولة أمم أفريقيا، حيث ارتفعت اشغالات الفنادق بشكل كبير، وامتلأت جميع فنادق القاهرة تقريبا، بسبب إقبال المشجعين، ولاعبي ومسؤولي الرياضة بالدول المشاركة بالبطولة، وأعضاء الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، والرعاة.
ومع زيادة نسب الإشغال، ارتفع سعر الغرفة في الفنادق إلى 300 دولار في الليلة، بالمحافظات الخمسة التي استضافت البطولة، وفقا لريمون نجيب.
وقال نجيب: "الإقبال الكبير الذي شهدته الفنادق كان غير متوقع، أغلب الناس كانت بتقول إن أفريقيا مش هتجيب سائح غني أو سائح هيدفع مبالغ كبيرة، ولكن ما حدث هو العكس تماما".
وضرب نجيب مثالا على العائد الاقتصادي للبطولة على جانب السياحة، مع قدوم رئيس مدغشقر إلى القاهرة ومعه 500 سائح، "لو قلنا في كل حجرة هيقيم اتنين، كدا عندنا 250 غرفة، يعني يكفون لامتلاء فندق، وإحنا هنا بنتكلم عن فريق واحد بس".
أحد أبرز المكاسب أيضا، بحسب نجيب، تنشيط السياحة في موسم غير رائج سياحيا، حيث يأتي تنظيم البطولة مع بدايات فصل الصيف، وهي فترة تشهد ضعفا في توافد السياح إلى مصر مع ارتفاع درجات الحرارة، خلال شهري يونيو ويوليو، خاصة مع تفضيل السياح العرب المجئ لمصر بعد شهر يوليو في فترة الأعياد.
ورغم النظرة السائدة في مصر على أن السائح الأفريقي هو سائح لا ينفق أموالا كبيرة، كانت إحدى الملاحظات التي لفتت نظر ريمون نجيب إليها تتمثل في أن هناك كثيرا من الأفارقة صنفوا مصر على أنها دولة رخيصة في تكاليف المعيشة، وعلى رأسهم الوافدين من جنوب أفريقيا ونيجيريا، مع ارتفاع تكاليف المعيشة في بلادهم.
"عموما إحنا من أرخص دول العالم في الأكل والشرب، مفيش إزازة مياه بـ 3 جنيهات في أي دولة، أي تعادل 20 سنتا"، بحسب ما قال ريمون نجيب.
وهو ما اتفق معه هشام ابراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة والخبير الاقتصادي، قائلا، إن تحرير سعر الصرف رفع قيمة الدولار إلى أكثر من 16 جنيها مقابل 8 جنيهات، وهو ما ساعد في تنشيط حركة السياحة خلال العامين الماضيين.
"إللي معاه ألف دولار أي ما يساوي 16 ألف جنيه مصري يقدر يجي يزور مصر أسبوع، وهو أمر شجع الكثيرين على المجئ لحضور المباريات في مصر"، بحسب إبراهيم.
وأضاف إبراهيم، أن استضافة أي حدث رياضي أو سياسي دائما ما يكون له مردود وبُعد اقتصادي سواء كان هذا المردود مباشرا أو غير مباشر، ومن أبرز صور مكاسب مصر الاقتصادية من البطولة الحالية عوائد بيع التذاكر، وحصتها في حقوق البث والرعاية.
وأشار إبراهيم، إلى أن أحد أبرز مكاسب مصر غير المباشرة هو إرسال رسالة إلى العالم على أنها قادرة على تأمين وتنظيم أي حدث وأنها تنعم بالاستقرار والأمان، مما سيشجع الكثيرين على الاستثمار في مصر.
وهو ما أكده ريمون نجيب، قائلا إن البطولة تعتبر بمثابة دعاية إيجابية غير عادية لمصر، وتأكيدا للعالم على قدرة مصر على تأمين أي حدث عالمي.
واتفق إلهامي الزيات، الخبير السياحي ورئيس اتحاد الغرف السياحية السابق، مع نجيب وإبراهيم، حيث يرى أن استضافة مصر كأس أمم أفريقيا ساهم في تسليط وسائل الإعلام العالمية الأضواء على مصر، وهو ما أدى إلى تطلع الكثير من الأجانب إلى زيارة مصر بعد مشاهدة حفل الافتتاح والعديد من مظاهر تنظيم البطولة.
وقال الزيات، لمصراوي، إن مصر استطاعت جذب أنظار العالم مع حسن تنظيم البطولة، وتجهيز ملاعب جيدة لاستضافة المباريات، بالإضافة إلى حفلتي القرعة والافتتاح، وهو ما يعد دعاية إيجابية لمصر غير مباشرة وغير مدفوعة، وذات أثر قوي.
وأضاف الزيات، أن إقامة البطولة في 4 محافظات أعطى فرصة للعالم لاكتشاف أماكن جديدة في مصر خاصة بالسويس، والإسماعيلية.
وتستضيف 6 ملاعب البطولة في 4 محافظات مختلفة، وهي استادات القاهرة، والسلام، والدفاع الجوي، والإسكندرية والإسماعيلية، والسويس.
ويرى هشام إبراهيم، أن الاستفادة الاقتصادية لمصر من استضافة أمم أفريقيا، تفوق بكثير ما أنفق على صيانة البنية التحتية للاستادات وتنظيم البطولة، لأن هذه البنية ستفيد مصر في تنظيم بطولات مقبلة.
ويتفق إلهامي الزيات مع إبراهيم، على الاستفادة من البنية التحتية والتنظيم الجيد والدعاية الإيجابية لبطولة أمم أفريقيا، وذلك عبر البدء في التخطيط لاستضافة كأس العالم 2030، بحسب ما قال لمصراوي.
لم تقتصر عوائد البطولة الاقتصادية على المكاسب الكبيرة مثل رفع إشغالات الفنادق وزيادة إيرادتها، بل امتدت أيضا إلى كيانات صغيرة ترتبط بالمواطن البسيط، بحسب ما قال ريمون نجيب، حيث زاد حجم الإقبال بشكل كبير على المحلات الصغيرة والأكشاك، وعمل عدد من الناس على افتتاح مطاعم ومقاهي بالقرب من الاستاد.
ورغم أن مصر خرجت مبكرا من البطولة وودعتها يوم السبت الماضي من دور ثمن النهائي بعد خسارتها بهدف نظيف أمام جنوب أفريقيا، ولكن البطولة لا تزال مستمرة في جذب أنظار العالم وخاصة عشاق الساحرة المستديرة لثمانية أيام أخرى.
وتشهد الأيام القادمة مواجهات قوية بين المنتخبات التي تأهلت للأدوار المتقدمة والتي من بينها منتخابات قوية معروفة بباعها الطويل في كرة القدم ولها عشاقها من الجماهير المتعطشة للبطولة، والتي مع اقترابها من تحقيق الحلم، تزيد مساندتهم لها، وبالتالي الحضور والمؤازرة من مصر بقوة، وهو ما ينعكس إيجابيا على الاقتصاد المصري، ويعوض رحيل المنتخبات التي غادرت البطولة.
وسبق لمصر تنظيم كأس الأمم 4 مرات أعوام 1959، و1974، و1986، و2006.
وتعد مصر صاحبة الرقم القياسي في الفوز بكأس الأمم 7 مرات أعوام 1957، و1959، و1986، و1998، و2006، و2008، و2010.