عندما يؤهل فريق لأول مرة لبطولة كبرى في تاريخه، فعلى الأغلب سيكون غير قادر علي مجاراة خصومه الذين لهم تاريخ طويل في تلك البطولة وينتهي به الأمر بالخسارة. ربما يحبطه ذلك وربما يؤثر على مسيرته فيما بعد وربما يفقد جمهوره الأمل ويلعن سوء الحظ. لكن ما أظهره منتخب موريتانيا ومشجعوه في بطولة كأس أمم إفريقيا التي يشارك فيها لأول مرة في مصر كان بعيدًا عن كل ذلك.
صحيح أن منتخب "المرابطين" قد خرج من البطولة في دور المجموعات بعد أن خسر أمام مالي، وتعادل سلبيا مع أنجولا وتونس إلا أنه قدم أداء جذب الانتباه لهذا الضيف الجديد، كذلك أداء جمهوره. لكن الأهم هو أن تلك المشاركة الكروية نجحت في أن تخبرنا الكثير عن هذا البلد الذي يجهل البعض أنه عربي! بل ومسماه "الجمهورية الإسلامية الموريتانية".
على قدر سعادة رجا محمد (21 سنة) التي أبدتها لزيارتها مصر للمرة الأولى، على قدر انزعاجها من عدم معرفة البعض ببلدها وإنه دولة عربية، وهو ما أظهره بقوة السؤال الذي طرحه المذيع والمعلق الرياضي مدحت شلبي على ضيفه الموريتاني بعد أن اندهش كونه يتحدث العربية.
اكتشفت رجا بعد ذلك أن الأمر لا يتعلق بمدحت شلبي فقط إنما الكثيرين: "يخرج إعلاميون وشخصيات عدة يتحدثون عن تشجيعهم دولاً عربية ولا يذكرون موريتانيا!.. هذا يحزننا كثيرًا".
تريد رجا، الطالبة بكلية الطب، أن تحكي الكثير عن بلدها الذي وصفته بـ"النادر": "نحن نادرون لأننا مختلفون عن بعضنا ومختلطون وهو ما يظهر حتى في لاعبي منتخبنا: بيننا البيض والسمر، انحدارنا من أصول مختلفة، كذلك لهجاتنا رغم أن جميعها مشتقة من العربية مثل الحسانية وهي لهجة بدوية، كما أننا محتفظون بتقاليدنا القديمة التي توارثناها كطقوس الزواج، والزي الذي نرتديه، والأغنيات".
ولا تجد رجا التي ترتدي "الملحفة"، وهو الزي النسائي الموريتاني، عيبًا ولا ضررًا في أن يكون "مجتمعها محافظًا جدًا" – حسب وصفها – لأنه في الوقت نفسه يعطي المرأة كامل حقوقها: "السيدات في مورتانيا قويات جدًا، لا تقبل الإهانة أو التقليل من شأنها، تعملن في كل شئ - والأغلب في الطب - بل وينافسن الرجال".
لكن ورغم دخول السيدات بموريتانيا في كل شئ مثل الرجال- حسب قول رجا- إلا أنهن غير مهتمات بالكرة ولا بمتابعتها، لكن هذه الأيام الأمر مختلف؛ فهي اللحظات مهمة في تاريخ موريتانيا: إذ إن بلدهن يشارك في بطولة كأس أمم إفريقيا لأول مرة، لذلك قررت رجا على الفور أن تسافر إلى القاهرة مع أشقائها لتحضر أول مباراة في حياتها؛ اتخذوا إجراءاتهم بتأجير شقة، حجز تذاكر مباريات موريتانيا، ومعرفة المواصلات التي يمكن أن يستقلوها من القاهرة إلى السويس.
تكلف كل شخص من الإخوة الثلاثة أكثر من 14 ألف جنيه، لكنهم يرون أن الأسعار في مصر أفضل كثيرًا من موريتانيا. تقول رجا إن مصر بلد سياحي متاح للجميع، وإنها تتمنى زيارة الأهرامات قبل أن تعود إلى بلدها؛ ليس كمتفرجة وحسب إنما كسيدة مهتمة أن ترسم صورة لمصر غير التي كانت في ذهنها قبل المجيء: "كنت أعتقد أن المصريين لا يتقبلون الدول الأخرى والمختلفين عنهم، لكن ما بدا لي حتى الآن عكس ذلك تمامًا".
بلغته العربية الفصحى والرصينة كغيره من الموريتانيين، يتحدث العابدين بونينه، الذي يعمل مهندسًا في موريتانيا، عن نفس الانطباع الذي كان لدى رجا قبل أن تأتي إلى مصر، وهو أن هذا البلد لا يتحمل غيره وبه الكثير من المشكلات.
ربما يأتي في ذهن من يسمعه أو من يقرأ هذه الكلمات الآن أن ذلك بسبب متابعة الرجل لأخبار معينة أو لسماعه وجهات نظر أشخاص زاروا مصر ورحلوا بخلفية سيئة عنها، لكن الأمر غير ذلك؛ فهو يرجع إلى مشاهدته أفلامًا مصرية!
يقول العابدين: "نحن لدينا فنون كثيرة كالشعر بوصفنا بلد المليون شاعر، الموسيقى، الكتابة، وغير ذلك. لكن ليس لدينا سينما لذلك لا نشاهد في التليفزيون إلا السينما والمسلسلات المصرية، والتي وصلت لي جانبًا سوداويًا عن مصر، لكن منذ أن جئت ولم أجد ما كان في رأسي؛ وجدت بلدًا جميلًا وشعبًا ودودًا".
ومثلما كان العابدين (31 عامًا) مكونًا صورته عن مصر، كان المصريون الذين صادفهم في زيارته منذ يوم 21 يونيو الماضي محتفظين بمعلومات متواضعة وأحيانًا خاطئة عن موريتانيا: "جزء كبير يندهش عندما يجدوني أتحدث العربية وجزء آخر يسأل (ليه لون بشرتك مش أسمر؟) فهم يعتقدون أنها دولة إفريقية كل من فيها أسمر البشرة فقط. لكن أخبرهم أن نسبة 70% عرب منهم البيض والسمر، وأننا مقسمون لقبائل لعل أكبرها هم قبيلة الدواعلي، وهذه الطبيعة القبلية في بعض الأماكن في مصر أيضًا. لكن القبائل عندنا هم من توافدوا على موريتانيا من اليمن والمغرب ودول أخرى على مر التاريخ".
جاء العابدين في 5 ساعات تقريبًا من نواكشوط العاصمة إلى القاهرة لدعم منتخبهم: "مشاركتنا مشرفة ومنتخبنا أصبح قويًا بعد أن كان مستواه ضعيفًا خلال السنوات الماضية، لكن هناك سبب واضح وراء هذا التغيير وهو أحمد ولد يحيى".
يتفق محمد حماه الله (21 سنة) والذي يدرس الطب في مصر منذ ثلاث سنوات، مع العابدين في أن لأحمد ولد يحيى الدور الرئيسي في تأهل المنتخب هذه المرة وظهوره بأداء جيد.
أحمد ولد يحيى، هو رئيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم منذ عام 2011، الذي قال فور توليه المنصب: "إن الخمول الذي تعاني منه كرة القدم الموريتانية ليس قدرًا محتومًا حتى نستسلم له، لكنه مرض يحتاج إلى علاج"، وبدأ بعدها برنامجا طويلا للنهوض بالكرة الموريتانية.
يرى محمد الذي يرتدي "الدراعة"، وهو الزي الرجالي الخاص بهم، والذين يبدون اعتزازهم به، أن قوة أحمد ولد يحيي والاتحاد مستمدة من قوة الدولة التي تغيرت كل الأمور فيها منذ نحو 10 سنوات مع قدوم الرئيس محمد ولد عبدالعزيز: "أصبحت لدينا حرية وديموقراطية أكثر من الماضي وتوقفت الانقلابات".
في أغسطس 2008، وهو التاريخ الذي يشير إليه محمد كنقطة تغيير في بلدهم، نفذ قادة الأجهزة العسكرية في موريتانيا بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد كتيبة الحرس الرئاسي ومدير الديوان العسكري لرئيس الجمهورية انقلاباً على الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. ولم يكن هذا أول انقلاب تعرفه البلاد إذ شهدت خلال الفترة من 1978 – 1984 فترة من عدم الاستقرار السياسي حيث توالت الانقلابات وقتها.
قال كورنتين مارتينيز، المدير الفني للمنتخب الموريتاني، خلال المؤتمر الصحفي الخاص بمباراة فريقه أمام تونس "إنه لم يكن لدينا سوى فرصة لا تزيد على الـ 5? في التأهل، فسنلعب من أجلها على الفوز ودخول موريتانيا تاريخ كرة القدم الإفريقية". لكن انتهت مباراة "خروج" موريتانيا بالتعادل سلبيًا مع المنتخب التونسي.
ذلك لم يمنع الموريتانيين من تشجيع منتخبهم والهتاف له على ما قدمه، بل وتحية الجمهور التونسي أيضًا. لكن كان المشهد الغريب إلى حد ما هو تشجيع عدد من الشباب المصريين معهم، بل أخذوا يدقون الطبول ويهتفون. كان منهم خالد محمد، الطالب بكلية تجارة جامعة السويس، وعند سؤاله عن السبب قال: "عرفت إنهم عرب من أول ماتش ليهم هنا قبل كدة مكنتش أعرف، وعشان عندنا في بلدنا لازم نقف جنبهم لأنهم يستحقوا وبيلعبوا كويس".
أما محمد والعابدين ورجا فسيشجعون بعد خروج موريتانيا: مصر، المغرب، أو تونس. وسيعود الجمهور الموريتاني إلى بلده على ثقة بأنه سيفعلها مجددًا.